وقوله: غير أني أخشى، كذا هنا، وفي رواية أبي عُوانة الآتية في أواخر الجنائز "غير أنه خَشيَ أو خُشي" على الشك هل هو بفتح الخاء المعجمة أو ضمها. وفي رواية مسلم "غير أنه خُشي" بالضم لا غير. فرواية الباب تقتضي أنها هي التي امتنعت من إبرازه، ورواية الضم مبهمة يمكن أن تفسر بهذه، والهاء ضمير الشأن، وكأنها أرادت نفسها، ومن وافقها على ذلك، وذلك يقتضي أنهم فعلوه باجتهاد، بخلاف رواية الفتح، فإنها تقتضي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي أمرهم بذلك.
قال الكرماني: مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدًا، ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر، ومفهومهما متغاير، ويجاب بأنهما متلازمان، وإن تغاير المفهوم، وهذا الحديث مرت مباحثه في باب "هل تنبش قبور المشركين من أبواب المساجد" وقد مرَّ هناك أن المنع من ذلك إنما يكون حال خشية أن يصنع بالقبر كما صنع أولئك الذين لعنوا، وأما إذا أُمن ذلك فلا امتناع. وقد يقول بالمنع مطلقًا من يرى سد الذريعة، وهو هنا متجه قويّ.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا، إلا هلالًا، مرَّ عبيد الله بن موسى في الأول من الإِيمان ومرَّ شَيبان في الثالث والخمسين من العلم، ومرَّ عُروة وعائشة في الثاني من بدء الوحي.
وهلال هو ابن أبي حميد، ويقال ابن حميد، ويقال ابن عبد الله، ويقال ابن عبد الرحمن، ويقال ابن مِقْلاص الجُهَنيّ، مولاهم أبو عمرو، ويقال أبو أُمية، ويقال أبو الجَهم الكوفيّ الصَّيْرفِيّ الجهبذ الوَزان. قال ابن مُعين والنَّسائيّ: ثقة، وقال أبو داود: لا بأس به، وقال سفيان: كان هلال شيخًا قد كبر، وكان يكتب على البيدر كل شهر بعشرة دراهم، وذكره ابن حِبّان في الثقات، ولكنه فرق بين هلال بن عبد الرحمن وهلال بن مِقلاص وهلال بن أبي حميد، وأشار البخاريّ إلى أن هلال بن أبي حميد أصح. وقال وكيع: هلال بن حميد، ومرة هلال بن عبد الله، ولا يصح. روى عن عُروة بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن عكيم، وروى عنه مِسْعر وإسرائيل وشيبان وغيرهم.
[لطائف إسناده]
فيه التحديث بالجمع والعنعنة، ورواته بصريّ وكوفيان ومدنيّ. أخرجه البخاري في الجنائز وفي المغازي، ومسلم في الصلاة. ثم قال المصنف: