أي: مشروعيتها خلافًا لمن قال: إنها لا تشرع، وأحاديث الباب صريحة في ذلك، إلا حديث جابر بن زيد ثاني أحاديث الباب عن ابن عباس، فإن فيه التقييد بالخطبة بعرفات، ويأتي قريبًا إن شاء الله تعالى ما أجيب به عن ذلك.
وأيام منى أربعة: يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وليس في شيء من أحاديث الباب التصريح بغير يوم النحر، وهو الموجود في أكثر الأحاديث، كحديث الهرماس بن زياد وأبي أمامة: كلاهما عند أبي داود، وكحديث جابر بن عبد الله عند أحمد: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر، فقال:"أيّ يوم أعظم حرمة" الحديث، وقد تقدم حديث عبد الله بن عمرو قريبًا، وفيه ذكر الخطبة يوم النحر.
وأما قوله في حديث ابن عمر أنه قال ذلك بمنى، فهو مطلق، فيحمل على المقيد، فيتعين يوم النحر، فلعل المصنف أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب كما عند أحمد عن أبي حرة الرقاشي عن عمه فقال: كنت آخذًا بزمام ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس، فذكر نحو حديث أبي بكرة، فقوله:"في أوسط أيام التشريق" يدل على وقوع ذلك أيضًا في اليوم الثاني، أو الثالث.
وفي حديث سراء بنت نبهان عند أبي داود: خطبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الرؤوس، فقال:"أيُّ يوم هذا" قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"أليس أوسط أيام التشريق؟ "، وفي الباب عن كعب بن عاصم عند الدارقطني وعن ابن أبي نجيح عن رجلين من بني بكر عند أبي داود، وعن أبي نضرة عمن سمع خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند أحمد، قال ابن المنير: أراد البخاري الرد على من زعم أن يوم النحر لا خطبة فيه للحاج، وأن المذكور في هذا الحديث من قبيل الوصايا العامة، لا على أنه من شعار الحج، فأراد البخاري أن يبين أن الراوي قد سماها خطبة، كما سمّى التي وقعت في عرفات خطبة، وقد اتفقوا على مشروعية الخطبة بعرفات، فكأنه ألحق المختلف فيه بالمتفق عليه، وسيأتي آخر الباب نقل الاختلاف في مشروعية الخطبة يوم النحر، واعلم أن لستة أيام متوالية من أيام ذي الحجة أسماء الثامن: يوم التروية، والتاسع: عرفة: والعاشر: النحر، والحادي عشر: القر، والثاني عشر: النفر الأول، والثالث عشر: النفر الثاني. وذكر مكي بن أبي طالب أن السابع يسمى يوم الزينة، وأنكره النووي.