في رواية الكشميهنيّ "متفرق" بتقديم التاء وتشديد الراء، قال الزين بن المنير: لم يقيد المصنف الترجمة بقوله: "خشية الصدقة" لاختلاف نظر العلماء في المراد بذلك، لما يأتي قريبًا. ثم قال: ويذكر عن سالم عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلُه، أي: مثل لفظ هذه الترجمة، وهو طرف من حديث أخرجه أبو داود وأحمد والتِّرمِذيّ والحاكم وغيرهم، عن سفيان بن حسين عن الزُّهريّ عنه، موصولًا. وسفيان بن حسين ضعيف في الزُّهريّ، وقد خالفه مَنْ هو أحفظ منه في الزُّهريّ، فأرسله الحاكم عن يونس بن يزيد عن الزُّهريّ، وقال: إن فيه تقوية لرواية سُفيان بن حسين، لأنه قال عن الزُّهريّ قال: أَقرأَنيها سالم بن عبد الله بن عمر، فوعيتها على وجهها، فذكر الحديث، ولم يقل: إن ابن عمر حدثه به، ولهذه العلة لم يجزم به البخاريّ، لكن أورده شاهدًا لحديث أنس الموصول عنده في الباب. وسالم قد مرّ في السابع عشر من الإيمان، ومرّ أبوه عبد الله في أوله قبل ذكره حديث منه.
[الحديث الخامس والخمسون]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ.
وقوله:"لا يجمع بين متفرق" بتقديم التاء، وزاد هنا: خشية الصدقة، واختلف في المراد بالخشية كما يذكر قريباً. قال مالك في الموطأ: معنى هذا الحديث أن يكون النفي الثلاثة، لكل واحد منهم، أربعون شاة وجبت فيها الزكاة، فيجمعونها حتى لا تجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة، أو يكون للخليطين مئتا شاة وشاتان، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه، فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد إلا شاةً واحدة.
وقال الشافعيّ: هو خِطاب لرب المال من جهة، وللساعي من جهة، فأمر كل واحد منهم أن لا يحدث شيئًا من الجمع والتفريق خشية الصدقة، فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة، فيجمع أو يفرق، لتقل، والساعي يخشى أن تقل الصدقة، فيجمع أو يفرق، لتكثر. فمعنى قوله:"خشية الصدقة" أي: خشية أن تكثر الصدقة، أو خشية أن تقل الصدقة. فلما كان محتملًا للأمرين، لم