للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب صدقة السر]

وقال أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه وقال الله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}.

وقد اقتصر في الترجمة على الحديث المعلق. وعلى الآية، والحديث المعلق طرق من حديث يأتي بعد باب بتمامه، وقد مرّ في باب "مَنْ جلس في المسجد ينتظر الصلاة" ومرَّ الكلام عليه هناك مستوفى، وهو أقوى الأدلة على أفضلية إخفاء الصدقة، وأما الآية ظاهرة في تفضيل صدقة السر أيضًا. ولكن ذهب الجمهور إلى أنها نزلت في صدقة التطوع، ونقل الطبريّ وغيره الإجماع على أن الإعلان في صدقة الفرض أفضل من الإخفاء. وصدقة التطوع على العكس من ذلك. وخالف يزيد بن أبي حبيب فقال: إنَّ الآية نزلت في الصدقة على اليهود والنصارى. قال: فالمعنى إنْ تبدوا الصدقات على أهل الكتابين، فنِعمّا هي، أي فلكم فضل، وإن تخفوها وتولوها فقراءكم فهو خير لكم، قال: وكان يأمر بإخفاء الصدقة مطلقًا، وقال أبو إسحاق الزجاج: إن إخفاء الزكاة في زمنه عليه الصلاة والسلام كان أفضل، فأما بعده فإن الظن يساء بمن أخفاها، فلهذا كان إظهار الصدقة المفروضة أفضل.

قال ابن عطية: ويشبه في زماننا أن يكون الإخفاء بصدقة الفرض أفضل، فقد كثر المانع لها، وصار إخراجها عرضة للرياء. وأيضًا فكان السلف يعطون زكاتهم للسُّعَاة، وكان مَنْ أخفاها أنهم بعدم اخراجها، وأما اليوم فصار كل أحد يخرج زكاته بنفسه، فصار إخفاؤها أفضل.

وقال الزين بن المنير: لو قيل إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال لما كان بعيدًا، فإذا كان الإِمام جائرًا ومال من وجبت عليه مخفيًا، فالإسرار أولى وإن كان المتطوع ممن يقتدى به، ويتبع وتنبعث الهمم على التطوع بالإنفاق وسلم قصده فالإظهار أوْلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>