لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} إلى قوله: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}. قال الزين بن المنير: يحتمل أن يكون مراده إبطال الرياء للصدقة، فيحمل على ما تمحض منها كحب المَحْمَدة والثناء من الخلق، بحيث لولا ذلك لم يتصدق بها، والرياء مشتق من الرُّوية وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس، بإرائتهم الخصال المحمودة. فحد الرياء هو إراءة العباد لطاعة الله تعالى، فالمراءي هو العابد والمراءى له هو الناس، والمراى به هو الخصال الحميدة، والرياء هو قصد إظهار ذلك.
قال الزين بن المنير: وجه الاستدلال من الآية، أن الله تعالى شبّه مقارنة السنن والأذى للصدقة، أو إتباعها بذلك بإنفاق الكافر المرائي الذي لا يجد بين يديه شيئًا، ومقارنة الرياء من المسلم لصدقته أقبح من مقارنة الإيذاء، وأولى أن يشبه بإنفاق الكافر المرائي في إبطال إنفاقه. وقال ابن رشيد: اقتصر البخاريّ في هذه الترجمة على الآية، ومراده أن المشبه بالشيء يكون أخفى من المشبه به؛ لأن الشيء الخفيّ ربما شُبه بالظاهر، ليخرج من حيز الخفاء إلى الظهور، ولما كان الإنفاق، رياءًا من غير المؤمن، ظاهرًا في ابطال الصدقة، شبّه به الإبطال بالمن والأذى، أي حالة هؤلاء في الإبطال كحالة هؤلاء هذا من حيث الجملة. ولا يبعد أن يراعى حال التفصيل أيضًا؛ لأن حال إيمان شبيه بحال المرائي؛ لأنه لمّا من ظهر أنه لم يقصد وجه الله تعالى، وحال المؤذي يشبه حال الفاقد للإيمان من المنافقين؛ لأن مَنْ يعلم أن للمؤذي ناصرًا ينصره لم يُؤذه، فعلم بهذا أن حالة المرائي أشد من حالة المانّ والمؤذي.
ويتلخص أن يقال لما كان المشبه به أقوى من المشبه، وإبطال الصدقة بالمنّ والأذى قد شبه بإبطالها بالرياء فيها، كان أمر الرياء أشد. ثم قال: وقال ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: صلدًا ليس عليه شيء. وروى الطبريّ عن قتادة في هذه الآية قال: هذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة، يقول:{لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} يومئذ كما ترك هذا المطر الصفا نقيًا ليس عليه شيء، ومن طريق أسباط عن السّديّ نحوه. وتعليق ابن عباس وصله ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما، وابن عباس مرَّ في الخامس من بدء الوحي.
ثم قال: وقال عكرمة: وابل: مطر شديد، والطلَّ الندى. وهذا التعليق وصله عبد بن حميد في تفسيره، وعكرمة مرَّ في السابع عشر من العلم. ثم قال المصنف: