قال ابن بطال: إن ما يصلّى عليه كبيرًا قدر طول الرجل فأكثر، قيل له حصير، ولا يقال له خمرة، وكل ذلك يصنع من سَعَف النخل وما أشبهه، والنكتة في هذه الترجمة الإشارة إلى ضعف ما رواه ابن أبي شيبة وغيره، عن شريح بن هانىء أنه سأل عائشة "أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على الحصير، والله تعالى يقول {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}[الإسراء: ٨]. فقالت: لم يكن يصلي على الحصير" فكأنه لم يثبت عند المصنف، أو رآه شاذًا مردودًا لمعارضته ما هو أقوى منه، كحديث الباب، وسيأتي عند المصنف، من طريق أبي سلمة عن عائشة، "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان له حصير يبسطه ويصلي عليه" وفي مسلم من حديث أبي سعيد "أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على حصير".
ثم قال: وصلى جابر بن عبد الله وأبو سعيد في السفينة قائمًا، ولفظ التعليق عن عبد الله بن أبي عُتبة مولى أنس قال:"سافرت مع أبي الدرداء وأبي سعيد الخُدْريّ وجابر بن عبد الله، وأناس قد سمّاهم، قال: وكان إمامنا يصلي بنا في السفينة قائمًا، ونصلي خلفه قيامًا، ولو شئنا لأرفينا" أي لأرسينا، يقالى: أرسى السفينة، بالسين المهملة، وأرفى، بالفاء، إذا وقف بها على الشط. وهذا التعليق وصله أبو بكر بن أبي شيبة بسند صحيح، وجابر بن عبد الله قد مر في الرابع من بدء الوحي، ومرّ أبو سعيد الخُدريّ في الثاني عشر من كتاب الإِيمان.
ثم قال: وقال الحسن تصلي قائمًا ما لم تشق على أصحابك تدور معها، وإلاّ فقاعدًا" وقوله: تصلي وتشق، بالتاء، وكذلك تدور، وعلى أصحابك بضمير الخطاب. وللكشميهنيّ بالياء في الثلاثة، وعلى أصحابه، بضمير الغائب. والمعنى أن الحسن البصريّ لما سأله عاصم الأحول، هو وابن سيرين والشعبيّ، عن الصلاة في السفينة، فكلهم يقول: إن قدر على الخروج فليخرج، غير الحسن فإنه قال: تدور مع السفينة حيثما دارت، إن لم تشق على أصحابك، فإن كان يشق عليهم فصلِّ قاعدًا.
ووجه إدخال الصلاة في السفينة في باب "الصلاة على الحصير" وهو أنهما