وقوله:"كما يفعل أمراؤك" فيه إشعار بأن الأمراء إذ ذاك كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم في مكان معين، فأشار أنس إلى أن الذي يفعلونه جائز، وإن كان الأتباع أفضل، وأمر أنس السائل له بعد أن بين له ما سأل عنه باتباع الأمراء خشية منه عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة إلى الجماعة، فقال له: صل مع الأمراء حيث يصلون، وفيه الإشارة إلى متابعة أولي الأمر والاحتراز عن مخالفة الجماعة، وفي الحديث أن السنة أن يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى لأنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى منى قبل الظهر، وصلى فيها الظهر والعصر، وفي كتاب شرف المصطفى لأبي سعد النيسابوري أن خروجه عليه الصلاة والسلام يوم التروية كان ضحى، وفي سيرة الملا أنه -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى منى بعدما زاغت الشمس، وفي "شرح الموطأ" للقرطبي أنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى منى عشية يوم التروية والخروج يوم التروية هو مذهب الجمهور، وروى الثوري في جامعه عن عمرو بن دينار، قال: رأيت ابن الزبير صلى الظهر يوم التروية بمكة، وقد مرت الرواية عنه قريبًا أن السنة أن يصليها بمنى، فلعل ما نقله عمرو عنه لضرورة أو لبيان الجواز، وقد روى ابن المنذر عن ابن عباس، قال: إذا زاغت الشمس فليرح إلى منى، قال ابن المنذر: في حديث ابن الزبير أن من السنة أن يصلي الإِمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى، وقال به علماء الأمصار قال: ولا أعلم عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئًا، ثم روى عن عائشة أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه، وعادة أهل مكة أن يخرجوا إلى منى بعد صلاة العشاء.
وقال ابن المنذر: والخروج إلى منى في كل وقت مباح، إلا أن الحسن وعطاء قالا: لا بأس أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين، وكرهه مالك، وكره الإقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي إلا إن أدركه وقت الجمعة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج، وقال ابن حبيب: إذا مالت الشمس يطوف سبعًا، ويركع ويخرج، وإن خرج قبل ذلك فلا حرج، وقال النووي: ويكون خروجهم بعد صلاة الصبح بمكة حيث يصلون الظهر في أول وقتها هذا هو الصحيح المشهور من نصوص الشافعي، وفيه قول ضعيف أنهم يصلون الظهر بمكة ثم يخرجون.
[رجاله خمسة]
مرَّ منهم عبد الله بن محمد المسندي في الثاني من الإيمان، ومرَّ سفيان الثوري في السابع والعشرين منه، ومرَّ أنس في السادس منه، ومرَّ عبد العزيز بن رفيع في الثالث عشر