شيء، وحكى القرطبيُّ عن بعض العلماء أن دخول البيت من مناسك الحج، ورده بأنه عليه الصلاة والسلام إنما دخله عام الفتح، ولم يكن حينئذ محرمًا، وأما ما رواه أبو داود والتِّرمِذيّ، وصححه هو وابن خزيمة والحاكم، عن عائشة "أنه عليه الصلاة والسلام خرج من عندها وهو قرير العين، ثم رجع وهو كئيب، فقال: دخلت الكعبة، فأخاف أن أكون شققت على أمتي" فقد يتمسك به لصاحب هذا القول المحكي، لكن عائشة لم تكن معه في الفتح ولا في عمرته.
وقد جاء عن ابن عمر عند المصنف في الحج أنه لم يدخل الكعبة في عمرته، فتعين أن القصة كانت في حجته، وبذلك جزم البيهقيّ. ويحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد رجوعه، فليس في السياق ما يمنع ذلك، قاله في الفتح. قلت: بل فيه ما يمنعه، فإن قولها خرج من عندها قرير العين، ثم رجع كئيبًا، وقال: دخلت الكعبة، صريح في أن هذا وقع بمكة. وإنما لم يدخل الكعبة في عمرته لِما كان في البيت من الأصنام والصور، وكان إذ ذاك لا يتمكن من إزالتها؛ لأن المشركين لا يتركونه يغيرها، فلما كان في الفتح أمر بإزالة الصور ثم دخلها، ويحتمل أن يكون دخول البيت لم يقع في الشرط، فلو أراد دخوله لمنعوه، كما منعوه من الإقامة بمكة زيادة على الثلاث، فلم يقصد دخوله لئلا يمنعوه. وفي السيرة عن عليّ "أنه دخلها قبل الهجرة فازال شيئًا من الأصنام". وفي الطبقات عن عثمان بن طلحة نحو ذلك، فإن ثبت ذلك لم يشكل على الوجه الأول؛ لأن ذلك الدخول كان لإِزالة شيء من المنكرات، لا لقصد العبادة، والإزالة في الهدنة غير ممكنة بخلاف يوم الفتح، واستدل المحب الطبريّ بعدم دخوله البيت في العُمرة على أنه عليه الصلاة والسلام دخل البيت في حجته وفي فتح مكة، ولا دلالة فيه على ذلك، إذ لا يلزم من نفي كونه دخلها في عمرته أنه دخلها في جميع أسفاره.
[رجاله خمسة]
وفيه ذكر بلال، الأول مسدد، والثاني يحيى القطّان، وقد مرا في السادس من كتاب الإِيمان، ومرّ مجاهد وابن عمر فيه قبل ذكر حديث منه، ومرّ بلال بن