ثم قال: وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: "ليس أحد إلا وعليه حجة وعمرة" ولفظ نافع أن ابن عمر كان يقول: "ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة، واجبتان من استطاع سبيلًا، فمن زاد شيئًا فهو خير وتطوع" وقال سعيد ابن أبي عروبة: عن نافع، عن ابن عمر قال:"الحج والعمرة فريضتان" وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة وابن خزيمة، والدارقطني، والحاكم، وقد مرَّ ابن عمر في أول الإيمان قبل ذكر حديث منه.
ثم قال: وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إنها لقرينتها في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وهذا التعليق وصله الشافعي في "مسنده"، وسعيد بن منصور، عن طاووس قال: سمعت ابن عباس يقول: والله إنها لقرينتها في كتاب الله {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وللحاكم عن عطاء، عن ابن عباس:"الحج والعمرة فريضتان" وإسناده ضعيف، والضمير في قوله لقرينتها للفريضة، وكان أصل الكلام أن يقول لقرينته، لأن المراد الحج، وابن عباس مرَّ في الخامس من بدء الوحي.
قوله:"عن سمي" قال ابن عبد البر: تفرد سمي بهذا الحديث واحتاج إليه الناس فيه فرواه عنه مالك، والسفيانان وغيرهما حتى أن سهيلًا لم يسمعه من أبيه، وتحقق بذلك تفرد سمي به فهو من غرائب الصحيح.
وقوله:"العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما" أشار ابن عبد البر إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر، قال: وذهب بعض علماء عصرنا إلى تعميم ذلك، ثم بالغ في الإنكار عليه، واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر فماذا تكفر العمرة، والجواب أن تكفير العمرة مقيد بزمنها، وتكفير الاجتناب عام لجميع عمر العبد، فتغايرا من هذه الحيثية. وقد مرَّ الكلام مستوفى على تكفير الذنوب في باب قيام ليلة القدر، من كتاب الإيمان.
وأما مناسبة الحديث لأحد شقي الترجمة وهو وجوب العمرة فمشكل، ومناسبته للشق الآخر وهو فضلها، فواضح وكأن المصنف والله أعلم أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث المذكور، وهو ما أخرجه الترمذي وغيره، عن ابن مسعود مرفوعًا، "تابعوا بين الحج والعمرة فإن المتابعة بينهما تنفي الذنوب والفقر، كما ينفي الكير خبث الحديد، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة"، فإن ظاهره التسوية، بين أصل الحج والعمرة، فيوافق قول ابن عباس أنها