والسلام:"سن إحرامها والخروج منها بطواف وسعي، وحلاق، وميقات، وفي الحج زيادة عمل على العمرة، وظاهر القرآن أولى إذا لم تكن دلالة. وقول الترمذي: عن الشافعي أنه قال: "العمرة سنة لا نعلم أحدًا رخص في تركها وليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع" لا يريد به أنها ليست واجبة بدليل قوله: "لا نعلم أحدًا رخص في تركها" لأن السنة التي يراد بها خلاف الواجب يرخص في تركها قطعًا، والسنة تطلق ويراد بها الطريقة، قاله الزين العراقي.
ومذهب الحنابلة الوجوب كالحج، ذكره الأصحاب، لكن قال الزركشي منهم: جزم جمهور الأصحاب بالوجوب، وعنه أنه سنة، واستدل القائلون بالسنة بحديث: "بني الإِسلام على خمس" فذكر الحج دون العمرة، وأجابوا عن ثبوتها في حديث الدارقطني بأنها شاذة، وبحديث الحجاج بن أرطأة عند الترمذي، وقال: حسن صحيح عن جابر قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن العمرة أواجبة هي؟ قال: لا وإن تعتمر فهو أفضل. لكن قال: في "شرح المهذب": اتفق الحفاظ على أنه ضعيف، ولا يغتر بقول الترمذي حسن صحيح، وقال الكمال بن الهمام في "فتح القدير": إنه لا ينزل عن كونه حسنًا، والحسن حجة اتفاقًا، وإن قال الدارقطني الحجاج بن ارطأة: لا يحتج به، فقد اتفقت الروايات عن الترمذي على تحسين حديثه هذا. وقد رواه ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر وأخرجه الطبراني في الصغير، والدارقطني بطريق آخر عن جابر فيه يحيى بن أيوب، وضعفه، وروى عبد الباقي بن قانع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحج جهاد والعمرة تطوع" وهو أيضًا حجة وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: "الحج فريضة، والعمرة تطوع"، وكفى بعبد الله قدوة وتعدد طرق حديث الترمذي الذي اتفقت الروايات على تحسينه يرفعه إلى درجة الصحيح، كما أن تعدد طرق الضعيف ترفعه إلى درجة الحسن، فقام ركن المعارضة، والافتراض لا يثبت مع المعارضة، لأن المعارضة تمنعه من إثبات مقتضاه، ولا يخفى أن المراد من قول الشافعي: "الفرض الظني هو الوجوب عندنا"، ومقتضى ما ذكرناه أن لا يثبت مقتضى ما رويناه أيضًا للاشتراك. في موجب المعارضة، فحاصل التقرير حينئذٍ تعارض مقتضيات الوجوب والنقل فلا يثبت، ويبقى مجرد فعله عليه الصلاة والسلام وأصحابه والتابعين وذلك يوجب السنة، فقلنا بها، وأجابوا عن الآية بأنه لا يلزم من الاقتران بالحج أن تكون العمرة واجبة، فهذا الإستدلال ضعيف، وبأن في قراءة الشعبي والعمرة بالرفع ففصل في هذه القراءة عطف العمرة على الحج ليرتفع الإشكال.
ثم اعلم أن الشافعي ذهب إلى استحباب تكرار العمرة في السنة الواحدة مرارًا، وقال مالك وأصحابه: يكره أن يعتمر في السنة الواحدة أكثر من عمرة واحدة، وقال ابن قدامة: قال آخرون: لا يعتمر في شهر أكثر من عمرة واحدة، وعند أبي حنيفة تكره العمرة في خمسة أيام: يوم عرفة، والنحر وأيام التشريق، وقال أبو يوسف: تكره في أربعة أيام عرفة والتشريق.