قوله: وفي يده المِيْسَم، بوزن مِفعل مكسور الأول، وأصله مِوْسَم لأن فاءه واو، لكنها لما سكنت وكسر ما قبلها قلبت ياء، وهي الحديدة التي يُوْسَم بها، أي يعلم، وهو نظير الخاتم. وقوله: إبل الصدقة، وجاء في الذبائح عن أنس: أنه رآه يَسِم غنمًا في آذانها. وفي رواية اللباس: يسم الظَّهر الذي قدم عليه. وفيه ما يدل على أن ذلك بعد رجوعهم من غزوة الفتح وحنين، والمراد بالظهر الإبل، وكأنه كان يسم الإِبل والغنم، فصادف أول دخول أنس وهو يسم شاة، ورآه يسم غير ذلك.
وقوله: في آذانها، فيه العدول عن الوسم في الوجه إلى الوسم في الأذن، فيستفاد منه أن الأذن ليست من الوجه، وفيه حجة للجمهور في جواز وسم البهائم بالكي، وخالف الحنفية فيه تمسكًا بعموم النهي عن التعذيب بالنار. ومنهم من ادعى نسخ وسم البهائم، وجعله الجمهور مخصوصًا من عموم النهي عن المُثَلةِ، للحاجة كالختان للآدمي، والحكمة فيه تمييزها، وليردها من أخذها ومن التقطها، وليعرفها صاحبها، فلا يشتريها إذا تصدق بها مثلًا، ليلًا يعود في صدقته.
قال في الفتح: ولم أقف على تصريح بما كان مكتوبًا على ميسم النبي -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن ابن الصباغ، من الشافعية، نقل إجماع الصحابة على أنه يكتب في ميسم الزكاة "زكاة أو صدقة". قال المهلب، وغيره: في هذا الحديث أن للإمام أن يتخذ ميسمًا، وليس للناس أن يتخذوا نظيره، وهو كالخاتم. وفيه اعتناء الإِمام بأموال الصدقة، وتوليها بنفسه. ويلتحق به جميع أمور المسلمين. وفيه جواز إيلام الحيوان للحاجة. وفيه قصد أهل الفضل لتحنيك المولود لأجل البركة. وفيه جواز تأخير القسمة؛ لأنها لو عجلت لاستُغني عن الوَسم.