فيه التحديث والإخبار بالجمع والعنعنة والقول وفيه مروزيان ثم مصريّ ثم مدنيّ، ورواية صحابي عن صحابي وقد مرّ من أخرج هذا الحديث. ثم قال المصنف:
باب مَنْ لم يرد السلام على الإِمام واكتفى بتسليم الصلاة
أورد فيه حديث عتبان واعتماده فيه على قوله ثم سلّم وسلّمنا حين سلم فإن ظاهره أنهم سلّموا نظير سلامه وسلامه إما واحدة وهي التي يتحلل بها من الصلاة، وإما هي وأخرى معها فيحتاج من استحب تسليمة ثالثة على الإِمام بين التسليمتين كما تقوله المالكية إلى دليل خاص. وإلى رد ذلك أشار البخاري وقال ابن بطال: أظنه قصد الرد على مَنْ يوجب التسليمة الثانية، وقد نقله الطحاوي عن الحسن بن الحسن، وفيه هذا الظن بعد قاله في "الفتح" قلت: الظاهر أن البخاري قصد بالترجمة الرد على مَنْ أوجب التسليمة الثانية، وعلى مَنْ قال برد المأموم على الإِمام ولفظ الحديث يوافق الترجمة حيث قال فيه: ثم سلّم وسلّمنا حين سلّم. فظاهر الحديث أن الجميع ما سلّموا إلا تسليمة واحدة، وهو موافق لما ذهب إليه مالك ومن معه فيما مرّ من أن الواجب تسليمة واحدة.
وأما قول صاحب "الفتح" أن المالكية تطلب عندهم تسليمة ثالثة، فذلك من عدم إتقان مذهب مالك، فالمالكية لا تطلب عندهم من الإِمام والفذ إلا تسليمة واحدة، وتطلب عندهم من المأموم تسليمة يرد بها على الإِمام وعلى مَنْ بيساره من المأمومين إن كان به أحد. واختلف فيهما عندهم هل هما سنتان أو فضيلتان أو سنة واحدة كما أنه اختلف أيضًا هل الأفضل البداءة بالإمام أو اليسار أو متساويان، ونظم شيخنا عبد الله بن محمد سالم -رحمه الله تعالى- كلًا من الحكمين في بيت فقال:
ردَّ الإِمام واليسار سنتان ... أو سُنّةٌ فحسبُ أو فضيلتان
في البدءِ باليسارِ والإمام ... أو استوى تخالفُ الإِعلامِ
وقد قال بالرد مع مالك ابن عمر في أحد قوليه والشعبي وسالم وسعيد بن المسيب وعطاء، وقال إبراهيم النخعي: إن شاء رد وإن شاء لم يرد.