[باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية]
واختلف في المراد بالخليط، فعند أبي حنيفة أنه الشريك، قال: ولا يجب على أحد منهم فيما يملك، إلا مثل الذي كان يجب عليه لو لم يكن خلط، وتعقبه ابن جرير بأنه لو كان تفريقها مثل جمعها في الحكم، لبطلت فائدة الحديث، وإنما نهى عن أمر، لو فعله، كانت فيه فائدة قبل النهي، ولو كان كما قال، لما كان، لتراجع الخليطين بينهما بالسَّويّة معنى. واعترض عليه أيضًا بأن الشريك قد لا يعرف عين ماله، وقد قال إنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ومما يدل على أن الخليط لا يستلزم أن يكون شريكًا قولُه تعالى:{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ} وقد بيّنه قبل ذلك بقوله: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ}.
واعتذر بعضهم عن الحنفية، بأنهم لم يبلغهم هذا الحديث، والحق أنهم تمسكوا بالأصل في قوله:"ليس فيما دون خمس ذَودٍ صدقة" وقالوا: إن جميع النصوص الواردة في نُصُب الزكاة تمنع الوجوب فيما دونها. وقوله:"يتراجعان" قال الخطابيّ: معناه أن يكون أربعون شاة مثلًا، لكل واحدٍ منهما عشرون، قد عرف كل منهما عين ماله، يأخذ المصدق منهما شاة، فيرجع المأخوذ من ماله على خليطه بقيمة نصف شاة، وتسمى هذه خلطة الجِواز.
وقوله:"بالسوية" أي: بنسبة عدديهما، كتسع من الإبل لأحدهما وللآخر خمس، ففيهما شاتان، على الأول تسعة أسباع وعلى الثاني خمسة أسباع، والمأخوذ منه يرجع على الآخر بما عليه.
ثم قال: وقال طاووس وعطاء: إذا عَلِم الخليطان أموالهما، فلا يجمع مالهما، وهذا وصله أبو عبيد في كتاب الأموال عن طاووس، قال: إذا كان الخليطان يعلمان أموالهما، لم يجمع مالهما في الصدقة. قال ابن جُريج: فذكرته لعطاء، فقال: ما أراه إلا حقًا. وقال عبد الرزاق أيضًا، عن ابن جُريج: قلت لعطاء: ناسٌ خُلِط لهم أربعون شاةً، قال: عليهم شاة. قلت: فلواحدٍ تسعٌ وثلاثون شاة، ولأخر شاة؟ قال: عليهم شاة.
وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة في مصنفه. وطاووس مرّ في باب "مَنْ لم ير الوضوء إلا من المخرجَيْن" بعد الأربعين من الوضوء. ومرّ عطاء في الذي قبله بحديث.
ثم قال: وقال سفيان: لا تجب حتى تتم لهذا أربعون شاةً، ولهذا أربعون شاة. رواه عبد الرزاق عن الثَّوريّ، وبهذا قال مالك. وقال الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث: إذا بلغت