لقوله تعالى:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى} الآية. هذه الترجمة ثبتت في رواية الكشميهنيّ وحده بغير حديث، وكأنه أشار إلى ما رواه مسلم عن أبي ذَرٍّ مرفوعًا "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المانُّ الذي لا يعطي شيئًا إلا مَنَّ به، والمنفق سلعته بالحَلْف، والمسبل إزاره" ولما لم يكن على شرطه، اقتصر على الإشارة إليه، ومناسبة الآية للترجمة واضحة من جهة أن النفقة في سبيل الله، لما كان المنان بها مذمومًا، كان ذم المعطي في غيرها من باب أولى.
قال القرطبيّ: المن غالبًا يقع من البخيل والمعَجب، فالبخيل تعظم أي: نفسه العطية، وإن كانت حقيرة في نفسها، والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة، وأنه منعم بماله على المعطى، وإن كان أفضل منه في نفس الأمر، وموجب ذلك كله الجهل، ونسيان نعمة الله فيما أنعم عليه به، ولو نظر مصيرَه لَعَلَم أن المنة للآخذ لما يترتب له من الفوائد.
وقوله:"لقوله تعالى ... إلخ" علّل الترجمة بهذه الآية، ووجه ذلك أن الله تعالى مَدَح الذين ينفقون أموالهم ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات منًا على ما أَعطوه، لا بقول ولا بفعل. والذين يتبعون ما أنفقوا منًا وأذى، يكونون مذمومين، ولا يستحقون من الخيرات شيئًا. ووعد الله تعالى الذين لا يمنون بما أنفقوا، بالثواب الجزيل، فقال:{لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة، {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما خَلَّفوا من الأولاد. وذكر الكلبيّ أن هذه الآية نزات في عثمان وعبد الرحمن بن عوف، جاء عبد الرحمن إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربعة آلاف درهم، نصفِ ماله، وقال عثمان: عَلَيّ جهاز من لا جهاز عنده، في غزوة تبوك، فجهز المسلمين بألف بعير بأقنابها وأحلاسها. ثم قال المصنف: