قال الزين بن المنير: باب حكم الصلاة على الشهيد، ولذلك أورد فيه حديث جابر الدال على نفيها، وحديث عقبة الدال على إثباتها. قال: ويحتمل أن يكون المراد "باب مشروعية الصلاة على الشهيد في قبره" لأجل دفنه عملًا بظاهر الحديثين. قلت: هذا ليس فيه عمل إلا بحديث عقبة. ثم قال: والمراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار.
وكذا المراد بقوله بعد من لم ير غسل الشهيد، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة صغيرًا أو كبيرًا حرًا أو عبدًا صالحًا أو غير صالح، وخرج بقوله "المعركة" من جرح في القتال وعاش بعد ذلك حياة مستقرة، وخرج "بحرب الكفار" من مات بقتال المسلمين، كأهل البغي، وخرج بجميع ذلك من سمي شهيدًا بسبب غير السبب المذكور. وإنما يقال له شهيد بمعنى ثواب الآخرة، وهذا كله على الصحيح من مذاهب العلماء.
والخلاف في الصلاة على قتيل معركة الكفار شهير، فذهب مالك والشافعيّ وأحمد وإسحاق في رواية إلى أنه لا يصلى عليه: كما لا يُغسل، وذهب ابن أبي ليلى والأوزاعيّ وأبو حنيفة وصاحباه وأحمد في رواية, وإسحاق في رواية, إلى أنه يصلى عليه.
قال الشافعي في الأم: جاءت الأخبار كأنها عِيان من وجوه متواترة أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصلِّ على قتلى أُحد، وما روي أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لم يصح، وكان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحيي على نفسه.
قال: وأما حديث عقبة بن عامر، فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين، والمخالف يقول: لا يصلى على القبر إذا طالت المدة، قال: وكأنه -صلى الله عليه وسلم- دعا لهم، واستغفر لهم حين علم قرب أجله، مودعًا لهم. ولا يدل ذلك على نسخ الحكم الثابت، وما أشار إليه من المدة والتوديع يأتي تحريره في الذي بعده قريبًا، ثم إن الخلاف في ذلك منع الصلاة عليهم على الأصح عند الشافعية، وفي وجه أن الخلاف في الاستحباب، وهو المنقول عن الحنابلة. قال الماوَرْدِيّ عن أحمد: الصلاةُ على الشهيد أجود، وإنْ لم يصلوا عليه أجزأ.