وقول الله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، كذا لأبي ذر، وسقط لغيره البسملة وباب، ولبعضهم قوله، وقول الله تعالى، ونفي رواية الأصيلي: كتاب المناسك، وهو جمع منسك بفتح السين وكسرها، وهو التعبد، ويقع على المصدر والزمان والمكان، ثم سميت أمور الحج كلها مناسك.
والمنسك: الذبح وقد نسك ينسك نسكًا إذا ذبح، والنسيكة الذبيحة، وجمعها نسك والمنسك أيضًا: الطاعة والعبادة، وكلُّ ما تُقرّب به إلى الله عَزَّ وَجَلَّ.
والنسك: ما أَمرت به الشريعة والورع، وما نهت عنه.
والناسك: العابد، وسئل ثعلب عن الناسك ما هو؟ فقال: هو مأْخوذٌ من النسيكة، وهي سبيكة الفضة المصفَّاة، كان الناسك صفَّى نفسه لله تعالى.
وقد مرَّ عند كتاب الإيمان -أول كتاب- ما يتعلق بالكتاب.
وقدَّم المصنف كتاب الحج عقب الزكاة على كتاب الصوم؛ لأن للحج اشتراكًا مع الزكاة في كونهما عبادة مالية، ولا يقال: كان ينبغي إذًا أن يذكر الصيام عقب الصلاة؛ لأن كُلاًّ منهما عبادة بدنية، لأنَّا نقول: قُدِّمت الزكاة عقب الصلاة لأنَّها قرينتها في الكتاب والسنة، وهي ثالثةُ أركان الإِسلام.
ورتَّب المصنِّف الحج على مقاصد متناسبة، فبدأ بما يتعلق بالمواقيتِ، ثم بدخول مكة وما معها، ثم بصفة الحج، ثم بأحكام العمرة، ثم بمحرَّمات الإحرام، ثم بفضل المدينة. ومناسبة هذا الترتيب غير خفية على الفَطِن.
وأصل الحج في اللغة: القصد، وقال الخليل: كثرة القصد إلى مُعظَّم، ومنه قول الشاعر:
وأَشهد من عوف حلولًا كثيرة ... يحجُّون سِبَّ الزِبرقان المزعفر