ثم قال: ولم تر عائشة بالتبان بأسًا للذين يرحلون هودجها، وفي نسخة الصغاني بعد قوله بأسًا، قال أبو عبد الله، يعني: الذين، الخ. والتبان بضم المثناة وتشديد الموحدة: سراويل قصيرة بغير أكمام، والهودج بفتح الهاء وبالجيم معروف، ويرحلون بفتح أوله وسكون الراء وفتح الحاء المهملة، قال الجوهري: رحلت البعير أرحله، بفتح أوله رحلًا إذا شددت على ظهره الرحل، قال الأعشى:
رحلت أميمة غدوة أجمالها
وسيأتي في التفسير استشهاد البخاري بقول الشاعر:
إذا ما قمت أرحلها بليل
وعلى هذا فقد وهم من ضبطه هنا بتشديد الحاء المهملة وكسرها، وقد وصل أثر عائشة سعيد بن منصور، عن القاسم، عن عائشة أنها حجت ومعها غلمان لها، وكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء، فأمرتهم أن يتخذوا التبابين فيلبسونها وهم محرمون، وأخرجه من وجه آخر مختصرًا بلفظ يشدون هودجها، وفي هذا رد على ابن التين، حيث قال: أرادت النساء لأنهن يلبسن المخيط بخلاف الرجال، وكان هذا رأي رأته عائشة، وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم، وقد مرت عائشة في الثاني من بدء الوحي أ. هـ.
[الحديث الرابع والعشرون]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ. فَذَكَرْتُهُ لإِبْرَاهِيمَ، قَالَ: مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُحْرِمٌ.
قوله:"يدهن بالزيت"، أي: عند الإِحرام بشرط أن لا يكون مطيبًا، كما أخرجه الترمذي من وجه آخر مرفوعًا، والموقوف عنه أخرجه ابن أبي شيبة، وهو أصح، ويؤيده ما تقدم في كتاب الغسل عن محمد بن المنتشر أن ابن عمر قال: لأن أُطلى بقطران، أحب إلى من أن أتطيب ثم أُصبح محرمًا، وفيه إنكار عائشة عليه، وكان ابن عمر تبع أباه في ذلك، فإنه كان يكره استدامة الطيب بعد الإِحرام كما سيأتي، وكانت عائشة تنكر عليه، وقد روى سعيد بن منصور عن عبد الله بن عبد الله بن عمر أن عائشة كانت تقول: لا بأس بأن يمس الطيب عند