كذا للأكثر، على البناء للمفعول، وفي رواية المستملي:"لا يَقْبَل الله" وهذا طرق من حديث أخرجه مسلم باللفظ الأول عن ابن عمر، ولفظه:"لا تُقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غُلُول" وأخرجه الحسن بن سُفيان في مسنده عن أبي كامل، أحد مشائخ مسلم فيه، بلفظ:"لا يَقْبل الله صلاةً إلا بطهور، ولا صدقة من غُلُول". ولأبي داود من حديث أبي فُليح عن أبيه مرفوعًا:"لا يقبل الله صدقة من غُلُول، ولا صلاة بغير طهور" وإسناده صحيح. والغُلول، ضيم الغين، الخيانة في المغنمة، والسرقة من الغنيمة قبل القسمة. وكل مَنْ خان في شيء خُفية فقد غَلّ. وقوله:"ولايقبل إلا من كَسْب طيبٍ" هذا للمستملي وحده، وهو طرف من حديث أبي هُريرة الآتي بعده.
وقوله:{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} إلى قوله: {حَلِيمٌ} قال ابن المنير: جرى المصنف على عادته في إيثار الخفى على الجلى، وذلك أن في الآية أن الصدقة لما تبعتها سيئة الأذى بطلت، والغُلول أدّى، إن قارن الصدقة أبطلها بطريق الأَوْلى، أو لإنه جعل المعصية اللاحقة للطاعة بعد تقررها تبطل الطاعة، فكيف إذا كانت الصدقة بعين المعصية؛ لأن القالّ في دفعه المال إلى الفقير غاصبٌ متصرفٌ في ملك الغير، فكيف تقع المعصية طاعة معتبرة، وقدًا أبطلت المعصية الطاعة المحققة من أول الأمر؟
وتعقبة ابن رشيد بأنه ينبني على أنّ الأذى أعم من أن يكون من جهة المتصدِّق للمُتَصَدَّق عليه، أو إيذائه لغيره كما في الغُلول، فيكون من باب الأوْلى، وقد لا يسلم هذا في معنى الآية لبعده، فإن الظاهر أن المراد بالأذى في الآية إنما هو ما يكون من جهة المسؤول للسائل، فإنه عطف على المنّ، وجمعٌ معه بالواو. والذي يظهر أنّ البخاريّ قصد أن المتصدَّق عليه إذا علم أن المتصدَّق به غُلول أو غَصْب أو نحوه، تأذّى بذلك، ولم يرض به، كما قال أبو بكر: اللبَن، لما علم أنه من وجه غير طيب، وقد صدق على المتصدِّق أنه مؤذٍ له بتعريضه بأكل ما لو علمه لم يقبله.
والقول المعروف فُسّر بالرد الجميل ومغفرة، أي: عفو عن السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسؤول. وقيل: المراد عفو من الله بسبب الرد الجميل. وقيل: عفو من جهة السائل، أي معذرة منه للمسؤول. لكنه رده ردًا جميلًا. والثاني أظهر.
وظاهر الآية أنَّ الصدقة تحبط بالمنّ والأذى بعد أن تقع سالمة، لكن يمكن أن يقال: لعل