أخرج البخاري هنا ثلاثة أحاديث عن ابن عمر، وكأنه لم يقع له على شرطه التصريح يحمل الدعاء للمحلقين، فاستنبط من الحديث الأول، والثالث أن ذلك كان في حجة الوداع، لأن الأول صرَّح بأن حلاقه كان في حجته، والثالث لم يصرح بذلك، إلا أنه بين فيه أن بعض الصحابة حلق، وبعضهم قصّر، وقد أخرجه في المغازي عن موسى بن عقبة، عن نافع بلفظ:"حلق في حجة الوداع، وأناس من أصحابه، وقصر بعضهم" وأخرج مسلم عن نافع مثل حديث جويرية سواء، وزاد فيه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"يرحم الله المحلقين" فأشعر ذلك أن ذلك وقع في حجة الوداع، وقد تعارضت الأحاديث في وقت وقوع هذا الدعاء، فمنها ما دل على أن ذلك كان في الحديبية، ومنها ما دل على أنه كان في حجة الوداع، قال ابن عبد البر: إنما جرى ذلك يوم الحديبية حين صد عن البيت، قال: وهذا محفوظ مشهور من حديث ابن عمر، وابن عباس، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وحبشي بن جنادة، ثم ساق تخريج أحاديث المذكورين، إلاَّ أن حديث أبي هريرة ليس فيه تعيين الموضع، ولم يقع في شيء من طرقه التصريح بسماعه لذلك من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولو وقع لقطعنا بأنه كان في حجة الوداع، لأنه شهدها ولم يشهد الحديبية، ولم يسق ابن عبد البر عن ابن عمر في هذا شيئًا، وليس في شيء من الطرق المروية عنه تعيين الموضع، وقد قدمت قريبًا أنه مخرج من مجموع الأحاديث عنه، أن ذلك كان في حجة الوداع، وكذلك حديث حبشي بن جنادة ليس فيه تعيين المكان، وقد أخرجه أحمد وزاد في سياقه عن حبشي: وكان ممن شهد حجة الوداع، فذكر هذا الحديث، وهذا يشعر بأنه كان في حجة الوداع، وفي حديث جابر عن أبي قرة في السنن تعيين الحديبية وفي حديث المسور بن مخرمة، عند ابن إسحاق في المغازي تعيينها أيضًا، وورد تعيين حجة الوداع من حديث أبي مريم السلولي عند أحمد وابن أبي شيبة، ومن حديث أم الحصين عند مسلم، ومن حديث قارب بن الأسود عند أحمد وابن أبي شيبة، ومن حديث