وقد مرَّ استيفاء الكلام على مقالته هذه في باب ما ذكر في الحجر الأسود حين ما ذكر فيه أول هذا الحديث.
وقوله:"ثم قال"، أي: بعد استلامه.
وقوله:"ما لنا وللرمل" في رواية بعضهم: "والرمل" بغير لام وهو بالنصب على الأفصح، وزاد أبو داود:"فيم الرمل والكشف عن المناكب" وهو الإضطباع وهي هيئة تعين على إسراع المشي بأن يدخل رداءه تحت إبطه الأيمن، ويرد طرفه على منكبه الأيسر، فيبدي منكبه الأيمن ويستر الأيسر، وهو مستحب عند الجمهور سوى مالك، قاله ابن المنذر.
وقوله:"انما كنا راءينا" بوزن فاعلنا من الرؤية، أي: أريناهم بذلك أنا أقوياء، قاله عياض، وقال ابن مالك: من الرياء، أي: أظهرنا لهم القوة ونحن ضعفاء، ولهذا روي: رايينا بياءين حملًا على الرياء، وإن كان أصله الرءياء بهمزتين، ومحصله أن عمر كان همّ بترك الرمل في الطواف لأنه عرف سببه، وقد انقضى فهمَّ أن يتركه لفقد سببه، ثم رجع عن ذلك لاحتمال أن تكون له حكمة ما اطلع عليها، فرأى أن الإتباع أولى من طريق المعنى، وأيضًا فإن فاعل ذلك إذا فعله تذكر السبب الباعث على ذلك فيتذكر نعمة الله على إعزاز الإِسلام وأهله، واستشكل قول عمر: راءينا مع أن الرياء بالعمل مذموم، والجواب أن صورته وإن كانت صورة الرياء لكنها ليست مذمومة لأن المذموم أن يظهر العمل ليقال: إنه عامل ولا يعمله بغيبة إذا لم يره أحد، وأما الذي وقع في هذه القصة فإنما هو من قبيل المخادعة في الحرب لأنهم أوهموا المشركين أنهم أقوياء لئلا يطمعوا فيهم، وقد ثبت أن الحرب خدعة.
وقوله:"فلا نحب أن نتركه" زاد الإسماعيلي في آخره: ثم رمل، ويؤيده أنهم اقتصروا عند مراءات المشركين على الإسراع إذا مرّوا من جهة الركنين الشاميين لأن المشركين كانوا بإزاء تلك الناحية فإذا مرّوا بين الركنين اليمانيين مشوا على حالتهم وهيئتهم كما هو بين في حديث ابن عباس المار.
رجاله خمسة قد مرّوا:
مرَّ سعيد بن أبي مريم في الرابع والأربعين من العلم، ومرَّ محمد بن جعفر في التاسع من الحيض، ومرَّ زيد بن أسلم في الثاني والعشرين من الإيمان, ومرَّ أبوه أسلم في الحادي والتسعين من الزكاة، ومرَّ عمر في الأول من بدء الوحي.