على الإطلاق، وأما من ناقض ذلك بأنه يلزم أن يكون الشام واليمن أفضل من مكة؛ لقوله في الحديث الآخر:"اللهم بارك لنا في شامنا" وأعادها ثلاثًا، فقد تعقب بأن التأكيد لا يستلزم التكثير المصرح به في حديث الباب، وقال ابن حزم: لا حجة في حديث الباب لهم، لأن تكثير البركة بها لا يستلزم الفضل في أمور الآخرة، ورده عياض بأن البركة أعم من أن تكون في أمور الدين والدنيا؛ لأنها بمعنى النماء والزيادة، فأما في الأمور الدينية فلما يتعلق بها من حق الله تعالى من الزكاة، والكفارات، ولاسيما في وقوع البركة في الصالح والمُدْ، وقال النووي: الظاهر أن البركة حصلت في نفس المكيل؛ بحيث يكفي المد فيها ما لا يكفيه في غيرها، وهذا أمر محسوس عند من سكنها، وقال القرطبي إذا وجدت البركة فيها في وقت، حصلت إجابة الدعوة، ولا يستلزم دوامها في كل حين، ولكل شخص، قلت: الحق أن هذا الحديث واضح في تفضيل المدينة على مكة، إلا إذا قال المعارض أن دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تستجب؛ لأنها إذا كانت مستجابة كان معلومًا بالبديهة أن البركة شاملة لأمور الدين والدنيا، فالبركة لغة: النماء والزيادة والسعادة، وقد قال تعالى:{رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} فلا يمكن أن يقال أن البركة خاصة بالمد والأقوات، فأول ما تدخل فيه بركة المدينة النماء في عبادتها، وزيادة ثوابها على غيرها، وسعادة أهلها بها، وبهذا يحصل فضل المدينة على مكة، هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم.
[رجاله ستة]
قد مرّوا: مرَّ عبد الله بن محمد المسندي في الثاني من الإيمان، ومرَّ وهب بن جرير في الخامس والأربعين من الوضوء ومرَّ أبوه جرير في السبعين من استقبال القبلة، ومرَّ يونس في متابعة بعد الرابع من بدء الوحي، ومرَّ الزهري في الثالث منه، ومرَّ أنس في السادس من الإيمان.
أخرجه مسلم أيضًا في الحج.
ثم قال: تابعه عثمان بن عمر، عن يونس أي: تابع جرير بن حازم عثمانُ بن عمر في روايته لهذا الحديث، عن يونس بن يزيد، عن الزهري؛ وهذه المتابعة وصلها الذهلي في جمعه لحديث الزهري، وقد مرَّ عثمان بن عمر في السابع والعشرين من الغسل، ومرَّ يونس في الذي قبله.
ثم قال المصنف:
[الحديث العشرون]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وَإِنْ