وقال الواقِدي: قلت لعبد الرحمن بن أبي الموالي: إن الناس يقولون: إن قبر فاطمة بالبقيع. فقال: ما دُفنت إلاَّ في زاوية في دار عَقيل، وبين قبرها وبين الطريق سبعة أذرع.
وهي أول من غُطِّي نعشها من النساء في الإِسلام، ثم بعدها زينب بنت جَحْش، صُنع بها ذلك أيضًا، فقد روي عن عمار بن المهاجر، عن أم جعفر، أن فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت لأسماء بنت عُميس: يا أسماء: قد استقبحتُ ما يُصنع بالنساء، إنه يُطرح على المرأة الثوب فيصِفُها. فقالت أسماء: يا بنتَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ألا اريك شيئًا رأيتُه بأرض الحبشة، فدعت بجرائد رطبة، فحتَّتْها، ثم طرحت عليها ثوبًا. فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، تُعرف به المرأة من الرجل، فإذا أنا متُّ فاغسليني أنت وعلي، ولا تدخلي عليَّ أحدًا. فلما تُوفيت جاءت عائشة تدخل، فقالت أسماء: لا تدخُلي، فشكت إلى أبي بكر، فقالت: إن هذه الخَثْعَمية تَحول بيننا وبين بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد جَعَلَتْ لها مثل هودَج العروس. فجاء أبو بكر، فوقف على الباب، وقال: يا أسماء: ما حملك على أن منعت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في لي أن يدخُلن علي بنته، وجعلت لها مثل هَوْدج العروس؟ فقالت: أمرتني أن لا يدخُل عليها أحد، وأريتها هذا الذي صنعتُ وهي حيةٌ، فأمرتني أن أصنع ذلك لها. قال أبو بكر: فاصنعي ما أمرتك، ثم انصرف، فغسلها علي وأسماء.
وكانت أول أهله -صلى الله عليه وسلم- لحوقًا به، ولم يخلِّف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بنيه غيرها، فكانت مصيبته -صلى الله عليه وسلم- في ميزانها.
[لطائف إسناده]
هنا إسنادان:
في الأول: التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والإخبار بصيغة الإفراد، والعنعنة في أربعة مواضع.
وفي الثاني: التحديث بصيغة الإفراد في ثلاثة مواضع، وبصيغة الجمع في موضعين، والعنعنة في موضعين.