لما اختلف ظاهر النقل عن أنس وتقرر أن طريق الجمع أن يحمل الأمر على اختلاف الحال بين الظهر والجمعة كما مرّ قريبًا، جاء عن أنس حديث آخر يوهم خلاف ذلك فترجم المصنف هذه الترجمة لأجله.
قوله:"يعني الجمعة" لم يجزم المصنف بحكم الترجمة للاحتمال الواقع في قوله: "يعني الجمعة" لاحتمال أن يكون من كلام التابعي أو مَنْ دونه، وهو ظن ممن قاله والتصريح عن أنس في رواية حميد الماضية أنه كان يبكر بها مطلقًا من غير تفصيل، ويؤيده الرواية المعلقة الثانية فإن فيها البيان بأن قوله:"يعني الجمعة" إنما أخذه قائله مما فهم من التسوية بين الظهر والجمعة عند أنس حيث استدل لما سئل عن الجمعة بقوله: "كان يصلي الظهر" وأوضح من ذلك رواية الإسماعيلي عن حرميٌّ ولفظه: "سمعتُ أنسًا وناداه يزيدُ الضبي يومَ جُمعةٍ يا أبا حمزةَ قد شهدتَ الصلاةَ مع رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فكيفَ كان يصلّي الجُمُعَةَ؟ " فذكره ولم يقل بعده يعني الجمعة.
وقال الزين بن المنير: نحا البخاري إلى مشروعية الإبراد بالجمعة ولم يثبت الحكم بذلك؛ لأن قوله:"يعني الجمعة" يحتمل أن يكون قول التابعي مما فهمه، ويحتمل أن يكون من نقله مرجح عنده إلحاقها بالظهر؛ لأنها إما ظهر أو زيادة أو بدل من الظهر، وأيد ذلك قول أمير البصرة لأنس يوم الجمعة:"كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلّي الظهر". وجواب أنس من غير إنكار ذلك، وعلم أن الإبراد عند أنس بالجمعة إنما هو بالقياس على الظهر لا بالنص؛ لأن يوم الجمعة يوم اجتماع الناس وازدحامهم، فإذا أخرت يشق عليهم.
قال ابن قدامة؛ ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلّيها إذا زالت الشمس صيفًا وشتاء على ميقات واحد.