المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية، لمن أراد أن يفعلها أو من أوقعها على غير الوجه المشروع خطأ أو جهلًا، فبين له وجه تدارك ما فرط منه، وهذا معنى قوله الآتي:"لا تجزىء عن أحد بعدك" أي: لا يحصل له مقصود القربة ولا الثواب كما يقال في صلاة النفل لا تجزىء إلا بطهارة وستر عورة قال: وقد استدل بعضهم للوجوب بأن الأضحية من شريعة إبراهيم الخليل وقد أمرنا باتباعه ولا حجة فيه لأنا نقول بموجبه ويلزمهم الدليل على أنها كانت في شريعة إبراهيم واجبة ولا سبيل إلى علم ذلك، ولا دلالة في قصة الذبح للخصوصية التي فيها.
وأجيب أيضًا بأن الأمر بالإعادة لا دليل فيه على الوجوب؛ لأنه ولو كان ظاهر الأمر الوجوب إلا أن قرينة إفساد الأولى تقتضي أن يكون الأمر بالإعادة لتحصيل المقصود وهو أعم من أن يكون في الأصل واجبًا أو مندوبًا. وقال الشافعي يحتمل أن يكون الأمر بالإعادة للوجوب، ويحتمل أن يكون للإشارة إلى أن التضحية قبل الصلاة لا تقع أضحية، فأمره بالإعادة ليكون في عداد من ضحى، فلما احتمل ذلك وجدنا الدلالة على عدم الوجوب في حديث أم سلمة المرفوع "إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي" قال فلو كانت الأضحية واجبة لم يكل ذلك إلى الإرادة. وأجاب من قال بالوجوب بأن التعليق على الإرادة لا يمنع القول بالوجوب فهو كما لو قيل من أراد الحج فليكثر من الزاد فإن ذلك لا يدل على أن الحج لا يجب، وتعقب بأن كونه لا يدل على الوجوب لا يلزم منه ثبوت الوجوب بمجرد الأمر بالإعادة لما مرَّ من احتمال إرادة الكمال، وهو الظاهر.
وقال ابن دقيق العيد: صيغة (مَنْ) في قوله: "مَنْ ذبح قبل أن يصلي فَلْيُعِدْ مكانها أخرى" صيغة العموم إذا وردت لذلك على الصورة النادرة يستنكر، فإذا بعد تخصيصه بمن نذر أضحية معينة بقي التردد هل الأول حمله على من سبقت له أضحية معينة أو حمله على ابتداء أضحية من غير سبق تعيين، فعلى الأول يكون حجة لمن قال بالوجوب على من اشترى الأضحية كالمالكية، فإن الأضحية عندهم تجب بالتزام اللسان وبنية الشراء وبنية الذبح، وعلى الثاني يكون حجة لمن أوجب الضحية مطلقًا لكن حصل الانفصال ممن لم يقل بالوجوب بالأدلة الدالة على عدم الوجوب، فيكون الأمر للندب قاله في "الفتح".
قلت لكن قوله:"إنها عند المالكية تجب بنية الشراء وبنية الذبح" غير صحيح فإنها عندهم لا تجب إلا بالذبح خاصة وفي النذر قولان: هل تجب به أو لا تجب.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا، وفيه لفظ رجل مبهم مرّ مسدد وأنس في السادس من الإِيمان، ومرَّ ابن علية في الثامن منه، ومرّ أيوب في التاسع منه، ومحمد بن سيرين في الأربعين منه. والرجل المبهم هو أبو بردة بن نيار كما جاء في الحديث الآتي بعده واسمه هاني، وقيل اسمه مالك، وقيل الحارث بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذئبان بن هميم بن كاهل بن ذهل بن بلي البلوي