أي: بعد أن تحمل، ثم قال: وقال أنس: أنتم مشيِّعون، فامش بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها. قوله: فامش، في رواية الكشميهنيّ: فامشوا، وأثر أنس هذا وصله عبد الوهاب بن عطاء الخَفّاف في كتاب الجنائز عن حُميد عن أنس بن مالك أنه سُئل عن المشي في الجنازة فقال:"أمامها وخلفها وعن يمينها وشمالها، انما أنتم مشيِّعون" وأخرجه عبد الرزاق عن أبي جعفر الرازيّ عن حميد "سمعتُ العَيْزار بن حُرَيث سأل أنس بن مالك عن المشي مع الجنازة، فقال: إنما أنت مشيّع، فذكر نحوه، فاشتمل على فائدتين: تسمية السائل، والتصريح بسماع حميد.
قال ابن المنير: مطابقة هذا الأثر للترجمة أن الأثر يتضمن التوسعة على المشيعين، وعدم التزامهم جهة معينة، وذلك لما علم من تفاوت أحوالهم في المشي، وقضية الإسراع بالجنازة، أن لا يلزموا بمكان واحد يمشون فيه، لئلا يشق على بعضهم ممن يضعف في المشي عمن يقوى عليه، ومحصله أن السرعة لا تتفق غالبًا إلا مع عدم التزام المشيء في جهة معينة، فيتناسبا.
وقال ابن رشيد: يمكن أن يقال: لفظ "المشي والتشييع" في أثر أنس أعم من الإِسراع والبطء، فلعله أراد أن يفسر أثر أنس بالحديث. قال، ويمكن أن يكون أراد أن يبيّن بقول أنس أن المراد بالإِسراع ما لا يخرج عن الوقار لمتبعها، بالمقدار الذي تصدق عليه به المصاحبة.
وأنس مرَّ في السادس من الإِيمان.
ثم قال: وقال غيره قريبًا منها، أي: قال: غير أنس مثل قول أنس، ولكنه قيد ذلك بالقرب من الجنازة, لأن من بعد منها يصدق عليه أيضًا أنه مشى أمامها وخلفها مثلًا، والغير المذكور، قال في "الفتح" أظنه عبد الرحمن بن قرظ، لما رواه سعيد بن منصور عن عُروة بن رُدَيم قال: شهد عبد الرحمن بن قرظ جنازة، فرأى ناسًا تقدموا، وآخرين استأخروا، فأمر بالجنازة فوضعت، ثم رماهم بالحجارة حتى اجتمعوا إليه، ثم أمر بها فحملت، ثم قال: بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها. وعبد الرحمن يأتي تعريفه قريبًا.
ودل إيراد البخاريّ لأثر أنس المذكور على اختيار هذا المذهب، وهو التخيير في المشيء مع