أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من منع ذلك، محتجًا بحديث جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- زَجَر أنْ يُقبر الرجل ليلًا إلا أن يضطر إلى ذلك. أخرجه ابن حِبّان، لكن بين مسلم في روايته السبب في ذلك، ولفظه "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب يومًا، فذكر رجلًا من أصحابه قُبض وكُفّن في كفن غير طائل، وقبر ليلًا، فزجر أن يقبر الرجل بالليل، حتى يصلّى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك. وقال: إذا وَلِيَ أحدكم أخاه فليحسن كفنه" فدل على أن النهيَ بسبب تحسين الكفن.
وقوله: حتى يصلّى عليه، مضبوطٌ بكسر اللام، أي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهذا سبب آخر يقتضي أنه إنْ رجا بتأخير الميت إلى الصباح صلاة من ترجى بركته عليه استحب تأخيره، وإلا فلا، وبه جزم الطحاويّ، وبجواز الدفن ليلًا قال الشافعيُّ ومالك وأحمد والجمهور. وكرهه قتادة والحسن البصريّ وسعيد بن المُسَيّب وأحمد في رواية عنه.
واستدل المصنف للجواز بما ذكره من حديث ابن عباس، ولم ينكر النبي -صلى الله عليه وسلم- دفنهم إياه بالليل، بل أنكر عليهم عدم إعلامهم بأمره، وأيد ذلك بما صنع الصحابة بأبي بكر، وكان ذلك كالإِجماع منهم على الجواز، وصح أن عليًا دفن فاطمة ليلًا، ورأى ناسٌ نارًا في المقبرة، فأتوها فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القبر، وإذا هو يقول:"ناولوني صاحبكم" وإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر. رواه أبو داود بإسناد على شرط الشيخين.
نعم يستحب الدفن نهارًا لسهولة الاجتماع والوضع في القبر، لكن إنْ خُشِي تغيُّره فلا يُندب تأخيره ليدفن نهارًا. قال الأذْرُعيُّ وغيره: بل ينبغي وجوب المبادرة به.
ثم قال: ودُفن أبو بكر رضي الله تعالى عنه ليلًا، وهذا التعليق وصله البخاريّ في أواخر الجنائز في باب موت يوم الاثنين. وصله ابن أبي شَيبة في مصنفه عن القاسم بن محمد وعن عبيد ابن السبّاق أن عمر دَفَن أبا بكر بعد العشاء الآخرة، وأبو بكر مرَّ في باب "من لم يتوضأ من لحم الشاة" بعد السبعين من الوضوء.