وكتب إلى الوليد بن عبد الملك كتابًا يخبره فيه بمرضه، وكان الوليد أبقاه وأقره على ما بيده بعد عبد الملك، وفي آخر الكتاب هذه الأبيات:
إذا ما لقيت الله عني راضيًا ... فإن سرور النفس فيما هنا لكِ
فحسبي حياة الله من كل ميت ... وحسبي بقاء الله من كل هالكِ
لقد ذاق هذا الموت من كان قبلنا ... ونحن نذوق الموت من بعد ذلكِ
ولما حضرته الوفاة أحضر منجمًا، فقال له: هل ترى في عِلمك مَلِكًا يموت؟ قال: نعم. ولست هو. فقال: وكيف ذلك؟ قال المنجّم: لأن من يموت اسمه كليب، فقال الحجاج: أنا هو والله، بذلك سمتني أمي، فأوصى عند ذلك، وكان مرضه بالأكلة وقعت في بطنه، ودعا بالطبيب لينظر إليها، فأخذ لحمًا وعلقه في خيط وسرحه في حلقه وتركه ساعة، ثم أخرجه وقد لصق به دود كثير، وسلّط الله عليه الزمهرير، فكانت الكوانين تجعل حوله مملوءة نارًا، وتُدنى منه حتى تحرق جلده، وهو لا يحس بها. وشكا ما يجده إلى الحسن البصريّ، فقال له: قد كنت نهيتك أن تتعرض إلى الصالحين، فلججت. فقال له: يا حسن، لا أسالك أن تسال الله أن يفرّج عني، ولكن أسالك أن تسأله أن يُعجِّل قبض روحي، ولا يطيل عذابي، فبكى الحسن بكاء شديدًا. وأقام الحجاج على هذه الحالة خمسة عشر يومًا، والذي قال غير الطبريّ: إنه لما جاء نعي الحجاج إلى الحسن البصريّ، سجد لله تعالى شكرًا، وقال: اللهم إنَّك قد أمتَّه ... إلخ. وكان قد رأى في منامه أن عَينيه قد قُلعتا، وكانت عنده هند بنت المهلب بن أبي صفرة الأزدي، وهند بنت أسماء بن خارجة، فطلق الهندين اعتقادًا منه أن رؤياه تتأوّل بهما، وكانت وفاته لتسع بقين من شهر رمضان سنة خمس وتسعين بمدينة واسط، ودفن بها، وعفا قبره، وأُجريَ عليه الماء. ومدينة واسط هو الذي بناها بين البصرة والكوفة في ثلاث سنين.
[لطائف إسناده]
فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، والعنعنة في موضعين،