ولا تكلمون. ولم يقصد الشيخان الرواية عن الحجاج، كما لم يقصد البخاريّ الرواية عن الحسن بن عمارة، فإما أن يتركا، واما أن يذكرا، وإلا فما الفرق بينهما؟ وفي الصحيح عن سلام بن مسكين، قال: بلغني أن الحجاج قال لأنس: حدثني عن أشد عقوبة عاقب بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحدثه بحديث العرنيين. وقال أبو عمرو بن العلاء: لما مات الحجاج قال الحسن: اللهم أنت أمتَّه، فأَمِتْ سُنَّتَه، أتانا أُخَيفش أُعيمش قصير البنان، والله ما عرق له عذار في سبيل الله قط، فمدّ كفًّا كبره، وقال: بايعوني وإلا ضربت أعناقكم.
ورُوي عن أشعث الحَدّانيّ، وكان يقرأ للحجاج في رمضان، قال: رأيته في منامي بحالة سيئة، فقلت: يا أبا محمد، ما صنعت؟ قال: ما قتلت أحدًا بقتلة، إلا قتلت بها. قلت: ثم مه؟ قال: ثم أمر به إلى النار. قلت: ثم مه؟ قال: أرجو ما يرجو أهل لا إله إلا الله، فبلغ ذلك ابن سيرين، فقال: إني لأرجو له، فبلغ قول ابن سيرين الحسن، فقال: أما والله ليخلفن الله رجاءَه فيه. وقد روى الحديث عن سَمُرة بن جندب وأنس وعبد الملك بن مروان وأبي بُردة. وروى عنه سعيد بن أبي عروبة ومالك بن دينار وحُميد الطويل وثابت البنانيّ والأعمش وأيوب السختيانيّ وغيرهم. وحكى أبو أحمد العسكريّ أن الناس غبروا يقرأون في مصحف عثمان بن عفان، رضي الله عنه، نيفًا وأربعين سنة، إلى أيام عبد الملك بن مروان، ثم كثر التصحيف، وانتشر بالعراق، ففزع الحجّاج بن يوسف إلى كتّابه، وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات، فيقال: إن نصر بن عاصم قام بذلك، فوضع النقط أفرادًا وأزواجًا، وخالف بين أماكنها، فغَبَر الناس بذلك زمانًا لا يكتبون إلا منقوطًا، فكان مع استعمال النقط أيضًا يقع التصحيف، فأحدثوا الإعجام، فكانوا يتبعون النقط، فإذا أغفل الاستقصاء عن الكلمة فلم توف حقوقها، اعترى التصحيف، فالتمسوا حيلة، فلم يقدروا فيها إلا على الأخذ من أفواه الرجال بالتلقين، وكان ينشد في مرضه هذين البيتين:
يارب قد حلف الأعداء واجتهدوا ... أيمانهم أنني من ساكني النارِ
أيحلفون على عمياء ويحهم ... ما ظنهم بعظيم العفو غَفَّارِ