قوله:"عن عمارة" في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش سمعت عمارة. وقوله:"لا يجعل" في رواية الكشميهني "لا يجعلن" بزيادة نون التأكيد. وقوله:"شيئًا" من صلاته في رواية وكيع عند مسلم "جزءًا من صلاته". وقوله:"يرى" بفتح أوله أي: يعتقد ويجوز الضم أي يظن. وقوله:"أن حقًا عليه" بيان للجعل في قوله لا يجعل. وقوله:"أن لا ينصرف" خبر أنّ أي: يرى أن واجبًا عليه عدم الانصراف إلا عن يمينه. وقال الكرماني يرى أن عدم الانصراف حق عليه، فهو من باب القلب. وهذا جواب عن استشكاله الابتداء بالنكرة مع أن الخبر معرفة؛ لأن تقديره عدم الانصراف. أو يجاب بأن النكرة المخصوصة كالمعرفة. وقوله:"كثيرًا ينصرف عن يساره" انتصب كثيرًا على أنه صفة لمصدر رأيت محذوفًا وفي رواية مسلم: "أكثر ما رأيتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ينصرفُ عن شمالهِ".
فأما رواية البخاري هذه فلا تعارض حديث أنس المتقدم عند مسلم، وأما رواية مسلم فظاهرة التعارض؛ لأنه عبّر في كل منهما بصيغة (أفعل). قال النووي يجمع بينهما بأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر، وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين وهو موافق للأثر المذكور أولاً عن أنس، ويمكن أن يجمع بينهما بوجه آخر وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد؛ لأن حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت من جهة يساره ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر، ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس رجح ابن مسعود؛ لأنه أعلم وأسن وأجل وأكثر ملازمة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأقرب إلى موقفه في الصلاة من أنس، وبأن في إسناد حديث أنس من تكلم فيه وهو السّدي، وبأن حديث ابن مسعود متفق عليه بخلاف حديث أنس في الأمرين، وبأن رواية ابن مسعود توافق ظاهر الحال؛ لأن حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت على جهة يساره كما مرّ. ويمكن الجمع بين الحديثين أيضًا بوجه وهو أن مَنْ قال كان أكثر انصرافه عن يساره نظر إلى هيئته في حال الصلاة، ومَنْ قال كان أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته في حال استقباله القوم بعد سلامه من الصلاة فعلى هذا، لا يختص الانصراف بجهة معينة،