قول ابن مسعود فيما رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه أنه قيل له: إنك تقل الصيام، فقال: إني أخاف أن يضعفني عن القراءة، والقراءة أحب إليّ من الصيام، نعم إنْ فُرِض أن شخصًا لا يفوته شيء من الأعمال الصالحة بالصيام أصلًا، ولا يفوت حقًا من الحقوق التي خوطب بها، لم يبعد أن يكون في حقه أرجح، وإلى ذلك أشار ابن خُزيمة، فترجم الدليل على أن صيام داود إنما كان أعدل الصيام، وأحبه إلى الله تعالى؛ لأن فاعله يؤدي حق نفسه وأهله وزائره أيام فطره، بخلاف مَنْ يتابع الصوم. وهنا يشعر بأن مَنْ لا يتضرر في نفسه، ولا يفوت حقًا، أن يكون أرجح، وعلى هذا فيختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال، فمن يقتضي حاله الإكثار من الصوم أكْثَرَ منه، ومَنْ يقتضي حاله الإكثار من الإفطار أكثر منه، ومَنْ يقتضي حاله المزج فعله، حتى أن الشخص الواحد قد تختلف عليه الأحوال في ذلك، وإلى هذا أشار الغزاليّ أخيرًا.
[رجاله خمسة]
مرّ منهم عليّ بن المدِينىّ في الرابع عشرمن العلم، ومرّ ابن عُيينة في الأول من بدء الوحي، ومرّ عمرو بن دينار في الرابع والخمسين من العلم، ومرّ عبد الله بن عمرو في الثالث من الإيمان.
والخامس: عمرو بن أوس بن أبي أوس، واسمه حُذيفة الثَّقفيّ الطائفيّ، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو هريرة: تسألوني وفيكم عمرو بن أوس؟ ذكره مسلم في الطبقة الأولى من التابعين، وذكره ابن مَنْدَة في الصحابة، وأورد حديثًا عن عثمان بن عمرو بن أوس عن أبيه، قال: قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي وقد ثقيف، وفي إسناده وهم، والصواب أنه عن أبي عمرو أوس بن أبي أوس لا عن عمرو.
روى عن أبيه والمغيرة وعبد الرحمن وأبي بكر الصديق وعبد الله بن عمرو بن العاص، روى عنه ابن أخيه عثمان بن عبد الله، وعمرو بن دينار، وأبو إسحاق السَّبِيعي وغيرهم. مات قبل سَعيد بن جُبير سنة تسعين.
[لطائف إسناده]
فيه التحديث بالجمع والإخبار بالإفراد، وشيخه مدنيّ، والبقية مكيُّون، ورواية التابعيّ عن التابعيّ، وعلى أن عمرو بن أوس صحابي تكون فيه. رواية صحابي عن صحابي، أخرجه البخاريّ في أحاديث الأنبياء، ومسلم في الصوم، وكذا أبو داود وابن ماجه، والنَّسائيّ في الصوم وفي الصلاة.