دخل عليكن فقلن: إنا نجد منك ريح مغَافر، فقال: هو عسل والله لا أطعمه أبدا. فلما كان يوم حفصة استأذنته أن تأتي أباها، فأذن لها فذهبت، فأرسل إلى جاريته مارِيّة، فأدخلها بيت حفصة، فرجعت فوجدت الباب مغلقًا، فخرج ووجهه يقطر، وحفصة تبكي فعاتبته، فقال: أُشهدك أنها عليَّ حرام، انظري، لا تخبري بهذا امرأة، وهي عندك أمانة، فلما خرج قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة، فقالت: ألا أبشرك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قد حرم أَمته، فنزلت. ويحتمل أن يكون مجموع هذه الأشياء كان سببًا لاعتزالهن، وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه، عليه الصلاة والسلام، وسعة صدره، وكثرة صفحه، وإن ذلك لم يقع فيه حتى تكرر موجبه منهن، ويؤيده شمول الحلف للجميع، ولو كان مثلا في قصة مارية فقط، لاختص بحفصة وعائشة. ومن اللطائف أن الحكمة في الشهر مع أن مشروعية الهجر ثلاثة أيام، أن عدتهنّ كانت تسعة فإذا ضربت في ثلاثة كانت سبعة وعشرين، واليومان لمارية، لكونها كانت أمة، فنقصت عن الحرائر. وفي هذا الحديث الاعتماد على خبر الواحد، والعمل بمراسيل الصحابة، وفيه أن الطالب لا يغفل عن النظر في أمر معاشه ليستعين على طلب العلم وغيره، مع أخذه بالحزم في السؤال عما يفوته يوم غيبته، لما علم من حال عمر، أنه كان يتعاطى التجارة إذ ذاك كما سيأتي في البيوع، وفيه أن شرط التواتر أن يكون مُستَند نَقْلته الأمر المحسوس لا الإشاعة التي لا يدري من بدا بها.
رجاله تسعة: الأول أبو اليَمان، والثاني شُعيب بن أبي حمزة، وقد مرا في السابع من بدء الوحي، ومر ابن شهاب ويونس بن يزيد في الثالث منه أيضًا، ومر عمر بن الخطاب في أول حديث منه، ومر عبد الله بن عباس في الخامس منه، ومر عبد الله بن وهب في الثالث عشر من كتاب العلم هذا.
الخامس من السند: عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثَوْر القُرَشِيّ، مولى