باب فضل العلم، وقول الله تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[المجادلة: ١١] وقوله عز وجل {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه: ١١٤].
أخَّر البَسْملة هنا في رواية كريمة والأصيليّ عن كتاب العلم، وقدمها في رواية أبي ذَرٍ، وقد قدَّمنا توجيه ذلك في كتاب الإيمان، وسقط لفظ كتاب في بعض الروايات، وقدّم كتاب العلم على لاحقه لما مر في أول كتاب الإيمان من أن مدار الكتب التي تأتي بعده كلها عليه، وبه تُعْلم وتميَّز والعلَم مصدر عَلِمتُ أعْلم علمًا.
قال القاضي ابن العَرَبِي: بدأ المصنّف بالنظر في فضل العلم قبل النظر في حقيقته، وذلك لاعتقاده أنه في نهاية الوضوح، فلا يحتاج إلى تعريف، أو لأنّ النظر في حقائق الأشياء ليس من فن الكتاب. وكل من القَدَرَين ظاهر، لأن البخاري لم يضع كتابه لحدود الحقائق وتصورها، بل هو جار على أساليب العرب القديمة، فإنهم يبدؤون بفضيلة المطلوب للتشويق إليه إذا كانت حقيقته مكشوفة معلومة.
وقد أنكر ابن العربي على من تصدى لتعريف العلم وقال: هو أبْيَن من أن يُبيَّن، وهذه طريقة الغزاليّ قائلًا: إنه لا يُحَدُّ لوضوحه، وقال الإِمام فخر الدين: لا يحد لأنه ضروريّ، إذ لو لم يكن ضروريًا لزم الدَّوْر. وبيان ذلك هو أنه لو لم يكن ضروريًا كان نظريًّا، إذ لا واسطة بينهما، وإذا كان نظريًا لابد أن يعلم بغير العلم، وغير العلم لا يعلم إلا بالعلم، أو يعلم بالعلم فتتوقف معرفته على نفسه، وهذا هو عين الدَّوْر.