أما إنكم لو رأيتموه لأمردتموه، فما مثَله ومَثلكم إلا كما قيل:
أقِلّوا عليهم ويلكم لا أبا لكم ... من اللؤم أوْ سُدُوا المكانَ الذي سَدّوا
وقال يحيى بن الضريس: شهدن سفيان وأتاه رجل فقال: ما تنقم على أبي حنيفة؟ قال: وما له؟ قال: سمعته يقول: آخذ بكتاب الله، فإن لم أجد فبسنة رسول الله، فإن لم أجد فبقول الصحابة، آخذ بقول من شئت منهم، ولا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم، فأما إذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشَّعبيّ وابن سيرين وعطاء، فقوم اجتهدوا فأجتهد كما أجتهدوا.
له في كتاب التِّرمذيِّ: ما رأيت أكذب من جبار الجعفيّ، ولا أفضل من عطاء بن أبي رباح. وله في كتاب النسائي: ليس على من أتى بهيمة حدٌّ. وقال مكي بن إبراهيم: كان أبو حنيفة أعلم أهل زمانه. رأى أنس بن مالك غير مرة، لما قدم عليهم الكوفة. وروى عن عطاء بن أبي رباح وهشام بن عُروة ويحيى بن سعيد الأنصاري وعديّ بن ثابت الأنصاريّ وخلق. وروى عنه ابنه حاد وإبراهيم بن طَهمان وزُفر بن الهُذيل وأبو يوسف القاضي ووكيع وغيرهم. مات سنة إحدى وخمسين ومئة، وقيل سنة خمسين. وفضائله أكثر من الحصر، فرضي الله تعالى عنه، وأسكنه الفردوس.
قوله: العجماء جُبَار، أي بضم الجيم وتخفيف الموحدة، والعجماء البهيمة، سميت البهمة عجماء لأنها لا تتكلم، فعن أبي حاتم يقال لكل من لم يبيّن الكلامَ من العرب والعجم والصفار: أعجم ومستعجم، وكذلك من الطير والبهائم كلها. ومعنى جُبَار هَدَر لا ضمان فيه. وفيه حذف لابد من تقديره، أي فعل العجماء جُبار، لأنه من المعلوم أن نفس العجماء لا يقال لها هدر، وفي رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة: العجماء عَقَلها جُبار، وأصله أن العرب تسمي السيل جُبار أي لا شيء فيه. وقال التِّرمذيِّ: فسر بعض أهل العلم فقال: العجماء الدابة المنفلتة من صاحبها، فما أصابت من انفلاتها فلا غرم على صاحبها. وقال أبو داود بعد تخريجه: العجماء التي نكون منفلتة لا يكون معها أحد، وقد تكون بالنهار، ولا تكون بالليل. وفي رواية الأسود عند مسلم: العجماء جرحها جُبار، وكذا في حديث كثير بن عبد الله المزنيّ عند ابن ماجه.
وفي حديث عُبادة بن الصامت عنده، وفي شرح التِّرمذيّ، ليس ذكر الجرح قيدًا، وإنما المراد به إتلافها بأي وجه، سواء كان بجرح أو غيره، والمراد بالعَقَل الدية، أي لا دية فيما تتلفه، وقد استدل بهذا الإطلاق من قال: لا ضمان فيما اتلفت البهيمة، سواء كانت منفردة أو معها أحد، سواء