للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد، وهذا هو قول الجمهور، وقال قوم: المأمور بالتأذين محمد -صلى الله عليه وسلم- أُمِر أن يفعل ذلك في حجة الوداع.

والتوفيق بين القولين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أمره الله بذلك إحياءً لسنة إبراهيم عليه السلام.

وقوله: "رجالًا"، نصب على الحال من ضمير يأتوك، وهو جمع راجل كصاحب وصحاب، وقيل: جمع الراجل رجل كصاحب وصحب، ورجالة ورجال، والأراجيل جمع الجمع.

وقوله: "وعلى كل ضامر" من المضمور وهو الهزال، وقيل: على كل ضامر، يعني الإبل وغيره، فلا يدخل بعير ولا غيره إلا وقد ضمر من طول الطريق، وضامر بغير هاء يستعمل للمذكر والمؤنث.

وقوله: "يأتين" صفة لكل ضامر، لأن كل ضامر في معنى الجمع، أراد النوق.

وقوله: "من كل فج عميق"، أي: طريق بعيد.

وقوله: "ليشهدوا منافع لهم"، أي: ليحضروا منافع لهم، هي التجارة، وقيل: منافع الآخرة، وقيل: منافع الدارين جميعًا. أ. هـ.

[الحديث الثاني]

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ يُهِلُّ حَتَّى تَسْتَوِيَ بِهِ قَائِمَةً.

الغرض من هذا الحديث الرد على من زعم أنَّ الحج ماشيًا أفضلُ لتقديمه في الذكر على الراكب، فبيَّن أنه لو كان أفضل لَفَعَلَهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بدليل أنه لم يُحْرِمْ حتَّى استوتْ به راحلته، ذكر ذلك ابن المنيِّر، وقال غيره: مناسبة الحديث للآية أنَّ ذا الحليفة فجٌّ عميق، والركوب مناسبٌ لقوله: "وعلى كل ضامر"، وقال الإِسماعيلي: ليس في الحديثين شيءٌ مما ترجم به الباب، وردَّ بأنَّ فيهما الإشارة إلى أنَّ الركوب أفضل، فيُؤْخَذُ منه جواز المشي.

وقوله: "بذي الحليفة" بضم الحاء المهملة تصغير حلفة، وهي شجرة منها يُحْرِم أهل المدينة، وبينها وبين المدينة أربعة أميالٍ، وهي أبعد المواقيت من مكة تعظيمًا لإحرام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبذي الحليفة عدة آبار ومسجدان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، المسجد الكبير الذي يُحرم منه الناس، والمسجد الآخر مسجد المعرس.

<<  <  ج: ص:  >  >>