للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان أحسن الناس قضاء، ثم قال: ويؤخذ من هذا أنه لا ينبغي الاستغراق في الدَّين، بحيث لا يجد له وفاء، فيعجز عن أدائه وتعقب بأن الذي فهمه من لفظ "الدينار" من الوحدة، ليس كما فهم، بل إنما المراد به الجنس، وأما قوله في الرواية الأخرى: "ثلاثة دنانير" فليست الثلاثة فيه للتقليل، بل للمثال، أو لضرورة الواقع. وقد قيل: إن المراد بالثلاثة أنها كانت كفايته فيما يحتاج إليه في ذلك اليوم. وقيل: بل هي دينار للدَّين، ودينار للإنفاق على الأهل، ودينار للإنفاق على الضيف. ثم المراد بدينار الدين، الجنسُ، ويؤيده تعبيره في أكثر الطرق بالشيء على الإبهام، فيتناول القليل والكثير.

وفيه الحث على وفاء الديون، وأداء الأمانات، وجواز استعمال "لو" عند تمني الخير، وتخصيص الحديث الوارد في النهي عن استعمال "لو" على ما يكون في أمر غير محمود شرعًا، وادّعى المهلب أن قوله في رواية الأحنف: "أتبصر أُحدًا، قال: فنظرت ما عليه من الشمس ... " الحديث، أنه ذُكِر للتمثيل في تعجيل إخراج الزكاة، وأن المراد: ما أحب أن أحبس ما وجب عليّ إخراجه بقدر ما بقي من النهار، وتعقبه عياض وقال: هو بعيد في التأويل، وإنما السياق بيّن في أنه عليه الصلاة والسلام أراد أن ينبهه على عِظَم أُحد، ليضرب به المثل في أنه لو كان قدره ذهبًا، ما أحب أن يؤخره عنده إلا لما ذكر من الإنفاق والإرصاد، فظن أبو ذَرّ أنه يريد أن يبعثه في حاجة، ولم يكن ذلك مرادًا إذ ذاك كما تقدم.

وقال القرطبي: إنما استفهمه عن رؤيته، ليستحضر قدره، حتى يشبه له ما أراد بقوله: "أن لي مثله ذهبًا". وقال عياض: احتج به من يفضل الفقر على الغنى، وقد يحتج به من يفضل الغنى على الفقر، ومأخذ كل منهما ظاهر من سياق الخبر، وقد مرَّ استيفاء الكلام على هذا المنزع، عند حديث: "لا حَسَد إلاَّ في اثنتين" في أول كتاب العلم.

وفيه الحض على إنفاق المال في الحياة وفي الصحة، وترجيحه على إنفاقه عند الموت، ويأتي قريبًا حديث: "أنْ تصدق وأنت صحيح شحيح" وذلك أن كثيرًا من الأغنياء يشح بإخراج ما عنده ما دام في عافية، فيأمل البقاء، ويخشى الفقر، فمن خالف شيطانه، وقهر نفسه، إيثارًا لثوابِ الآخرة فاز. ومَنْ بخل بذلك لم يأمن الجور في الوصية، وإن سلم لم يأمن تأخير تنجيز ما أوصى به أو تركه، أو غير ذلك من الأوقات، ولاسيما إن خلف وارثًا غير موفق، فيبذره في أسرع وقت، ويبقى وباله على الذي جمعه.

[رجاله تسعة]

قد مرّوا، مرَّ عياش بن الوليد في الخامس والثلاثين من الغُسل، وعبد الأعلي بن عبد الأعلى في تعليق بعد الثالث من الإيمان، ومرَّ الأحنف بن قيس في الرابع والعشرين منه، وإسحاق بن منصور في الخامس والثلاثين منه، وأبو ذر في الثالث والعشرين منه، ومرَّ عبد الصمد في السادس

<<  <  ج: ص:  >  >>