أورد الحديث هنا مختصرًا، وأورده بعد بابين مطولًا. وقوله هنا: كنا نطعم الصدقة، اللام للعهد، عن صدقة الفطر. وفي الرواية الآتية: كنا نعطيها في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم-. وهذا حكمه الرفع، لإضافته إلى زمنه عليه الصلاة والسلام، ففيه إشعار باطلاعه على ذلك وتقريره له، ولاسيما هذه الصورة التي كانت توضع عنده، وتجمع بأمره، وهو الأمر يقبضها وتفرقتها.
وقوله في الرواية الآتية "صاعًا من تمر .. إلخ" يقتضي المغايرة بين الطعام وبين ما ذكره بعده، وحكى الخطابي أن المراد بالطعام هنا الحِنطة، وأنه اسم خاص له. قال: ويدل على ذلك ذكر الشعير وغيره من الأقوات، والحنطة أعلاها. فلولا أنه أرادها بذلك، لكان ذكرها عند التفصيل كغيرها من الأقوات، ولاسيما حيث عطفت عليها بحرف أو الفاصلة، وقد قال هو وغيره، وقد كانت لفظة الطعام تستعمل في الحنطة عند الإطلاق، حتى إذا قيل: اذهب إلى سوق الطعام، فهم منه سوق القمح. وإذا غلب العُرف نزل اللفظ عليه، لأن ما غلب استعمال اللفظ فيه، خُطْوره عند الإِطلاق أقرب. ورَدَّ ذلك ابن المنذر، فقال: ظن أصحابنا أن قوله في حديث أبي سعيد "صاعًا من طعام" حجة لمن قال: صاعًا من طعام حنطةٍ. وهذا غلط منه، وذلك أن أبا سعيد أجمل الطعام، ثم فسره.
قلت: حديث أبي سعيد لا يتصور أن يكون فيه إجمال وتفسير؛ لأنه عطف "أو صاعًا من تمر" على قوله "أو صاعًا من طعام". ولو كان تفسيرًا لقال بعد قوله "من طعام": تمرًا وشعيرًا الخ. ثم أورد ابن المنذر طريق حفص المذكورة في الباب الآتي قريبًا، وهي ظاهرة فيما قال، ولفظه "كنا نخرج صاعًا من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر". وأخرج الطحاويّ نحوه وقال فيه:"ولا يخرج غيره" قال: وفيه قوله "فلما جاء معاوية، وجاءت السمراء" دليل على أنها لم تكن قوتًا لهم قبل هذا. فدل على أنها لم تكن كثيرة عندهم، ولا قوتًا، فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن موجودًا؟