قال ابن التين: ضبط بعضهم يُكَفّ، بضم أوله وفتح الكاف، وبعضهم بالعكس، والفاء مشددة فيهما، وضبطه بعضهم بفتح أوله وسكون الكاف وكسر الفاء مخففة، والأول أشبه بالمعنى، وتعقبه ابن رشيد بأن الثاني هو الصواب، وهو الذي في نسخة حاتم الطرابلسيّ، وأصل أبي القاسم بن الورد قال: والذي يظهر بي أن البخاريّ لحظ قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} أي: أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ألبس عبد الله بن أُبَيّ قميصَه، سواء كان يَكُفُّ عنه العذاب أو لا يكف، استصلاحًا للقلوب المؤلفة، فكأنه يقول: يؤخذ من هذا التبرك بآثار الصحالين، سواء علمنا أنه مؤثر في حال الميت أم لا.
قال: ولا يصح أن يراد به سواء كان الثوب مكفوف الأطراف أو غير مكفوف, لأن ذلك وصف لا أثر له. قال: وأما الضبط الثالث فهو لحن، إذ لا موجب لحذف الياء الثانية فيه. وقد جزم المهلب بأنه الصواب، وأن، الياء سقطت من الكاتب غلطًا. قال ابن بطّال: المراد سواء كان القميص طويلًا سابغًا أو قصيرًا، فإنه يجوز أن يكفن فيه. ووجهه أن عبد الله كان مفرط الطول، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- معتدل الخَلق، وقد أعطاه مع ذلك قميصه ليكفن فيه، ولم يلتفت إلى كونه ساترًا لجميع بدنه أو لا.
وتعقب بأن حديث جابر دال على أنه كفن في غيره، فلا تنتهض الحجة بذلك، وأما قول ابن رشيد: إنّ مكفوف الأطراف لا أثر له فغير مُسَلّم، بل المتبادر إلى الذهن أنه مراد البخاريّ، كما فهمه ابن التين. والمعنى أن التكفين في القميص ليس ممتنعًا سواء كان مكفوف الأطراف أو غير مكفوف.
والمراد بالكف تزريره دفعًا لقول من يدعي أنّ القميص لا يسوغ إلا إذا كانت أطرافه غير مكفوفة، أو كان غير مزرر، ليشبه الرداء. وأشار بذلك إلى الرد على من خالف في ذلك، وإلى أن التكفين في غير قميص مستحب، ولا يكره التكفين في القميص، وفي "الخلافيات" للبيهقيّ عن ابن عَون قال: كان محمد بن سيرين يستحب أن يكون قميص الميت كقميص الحي، مكففًا مزررًا.