قال ابن رشيد ما محصله: مقصود الباب بيان القدر الذي يحصل به مسمى الأتباع الذي يحوز به القيراط، إذ في الحديث الذي أورده إجمال، ولذلك صَدَّره بقول زيد بن ثابت، وآثر الحديث المذكور على الذي بعده، وإن كان أوضح منه في مقصوده، كعادته المألوفة في الترجمة على اللفظ المشكل، ليبين مجمله، وقد تقدم طرف من بيان ما يحصل به مسمى الاتباع في باب "السرعة بالجنازة"، وله تعلق بهذا الباب، وكأنه قصد هناك كيفية المشي وأمكنته، وقصد هنا ما الذي يحصل به الاتباع، وهو أعم من ذلك.
قال: ويمكن أن يكون قصد هنا ما الذي يحصل به المقصد إذ الاتِّباع إنما هو وسيلة إلى تحصيل الصلاة منفردة، أو الدفن منفردًا، أو المجموع. قال: وهذا كله يدل على براعة المؤلف، ودقة فهمه، وسعة علمه. وقد قال الزين بن المنير ما محصله: مراد الترجمة إثبات الأجر، والترغيب فيه لا تعيين الحُكْم, لأن الاتباع من الواجبات على الكفاية، فالمراد بالفضل ما ذكرنا، لا تقسيم الواجب، وأجمل لفظ الاتباع تبعًا للفظ الحديث الذي أورده, لأن القيراط لا يحصل إلاَّ لمن اتبع وصلى، أو اتّبع وشيّع، وحضر الدفن، لا لمن اتبع مثلًا، وشيع ثم انصرف بغير صلاة.
كما يأتي بيان الجمعة لذلك في الباب الذي يليه. وذلك لأن الاتباع إنما هو وسيلة لأحد مقصودين، إما الصلاة وإما الدفن، فإذا تجردت الوسيلة عن المقصد لم يحصل المرتب على المقصود، وإن كان يرجى أن يحصل لفاعل ذلك فضل ما بحسب نيته.
وروى سعيد بن منصور عن مجاهد قال: اتباع الجنازة أفضل النوافل. وفي رواية عبد الرزاق عنه: أتباع الجنازة أفضل من صلاة التطوع.
ثم قال: وقال زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه: إذا صليت فقد قضيت الذي عليك. وصله سعيد بن منصور عن عُروة عنه بلفظ "إذا صليتم على الجنازة، فقد قضيتم ما عليكم، فخلوا بينها وبين أهلها" وكذا أخرجه عبد الرزاق، لكن بلفظ "إذا صليت على جنازة فقد قضيت ما عليك"، ووصله ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ الإِفراد، ومعناه: فقد قضيت حق الميت، فإن أردت الاتباع فلك زيادة أجر. وزيد بن ثابت مرَّ في تعليق بعد الثاني والعشرين من كتاب الصلاة.