للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرسلًا. ورد هذا بأنَّ الإقامة على المهاجرين حرام. وقد صح عن عثمان أنه كان لا يودع النساء إلاَّ على ظهر راحلته ويسرع الخروج؛ خشية أن يرجع في هجرته. وثبت عن عثمان أنه لما حاصروه، وقال له المغيرة اركب رواحلك إلى مكة، قال: لن أفارق دار هجرتي. وقيل: لأنه استجد له أرضًا بمنىً. وردّ هذا بأنه لم يقل أحد أنَّ المسافر بما يملكه من الأرض، ولم يكن له فيها أهل أنَّ حكمه حكم المقيم. وقيل: لأنه كان يسبق الناس إلى مكة. وهذا لم ينقل.

إن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصًا بمن كان شاخصًا سائرًا، وأما مَنْ أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم، فيتم والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير، قال: لما قدم علينا معاوية حاجًا صلّى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا: لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة قال: وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم إلى مكة صلّى بها الظهر والعصر والعشاء أربعًا أربعًا، ثم إذا خرج إلى منىً وعرفة قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة، وقال ابن بطال: الوجه الصحيح في ذلك أن عثمان وعائشة كانا يريان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما قصر؛ لأنه أخذ بالأيسر من ذلك على أُمته فأخذا لأنفسهما بالشدة، وهذا رجحه جماعة من آخرهم القرطبي، لكن الوجه الذي قبله أولى؛ لتصريح الراوي بالسبب، وقيل: إنما صلّى عثمان أربعًا بمنى لأن الأعراب كانوا كثروا في ذلك العام فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع. رواه الطحاوي وغيره عن الزهري، وروى البيهقي عن عثمان أنه أتم بمنىً ثم خطب فقال: إن القصر سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه ولكن حدث طَغام أي: بفتح الطاء والمعجمة فخفت أن يستنوا. وعن ابن جريج أن أعرابيًا ناداه في منىً يا أمير المؤمنين ما زلتُ أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين. وتعقب الطحاوي هذا الوجه بأن الأعراب كانوا بأحكام الصلاة أجهل في زمن الشارع، فلم يتم بهم لتلك العلة، ولم يكن عثمان ليخاف عليهم ما لم يخفه الشارع؛ لأنه بهم رؤوف رحيم. ألا ترى أن الجمعة لما كان فرضها ركعتين لم يعدل عنها، وكان يحضرها الغوغاء والوفود.

وقد تجوزوا أن صلاة الجمعة في كل يوم ركعتين، ولكن لا مانع من أن يكون هذا أصل سبب الإتمام، وليس بمعارض للوجه الذي مرَّ أنه الأولى للتصريح فيه بالسبب، بل يقويه من حيث أن حالة الإقامة في أثناء السفر أقرب إلى قياس الإقامة المطلقة عليها، بخلاف السائر. وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان رضي الله تعالى عنه.

[رجاله خمسة]

وفيه ذكر أبي بكر وعمر وعثمان، وقد مرَّ الجميع، مرَّ مسدد ويحيى في السادس من الإيمان، ومرّ عبيد الله العمري في الرابع عشر من الوضوء ومرّ نافع في الأخير من العلم، ومرّ ابن عمر في أول الإيمان قبل ذكر حديث منه، ومرَّ أبو بكر في باب مَنْ لم يتوضأ من لحم الشاة بعد الحادي

<<  <  ج: ص:  >  >>