قوله:"يكثر أن يقول" كذا في رواية منصور وقد بيّن الأعمش في روايته في التفسير عن أبي الضحى ابتداء هذا الفعل، وأنه واظب عليه -صلى الله عليه وسلم- ولفظه:"ما صلَّى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- صلاةً بعدَ أنْ نزلتْ عليه:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلا يقولُ فيها ... الحديث" قيل: اختار -صلى الله عليه وسلم- الصلاة لهذا القول؛ لأن حالها أفضل من غيرها, وليس في الحديث أنه لم يكن يقول ذلك خارج الصلاة أيضًا، بل في بعض طرقه عند مسلم ما يشعر بأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يواظب على ذلك داخل الصلاة وخارجها، وفي رواية منصور هذه بيان المحل الذي كان -صلى الله عليه وسلم- يقول فيه من الصلاة وهو الركوع والسجود.
وقوله:"يتأول القرآن" أن يجعل ما أمر به من التسبيح والتحميد والاستغفار في أشرف الأوقات والأحوال، وقد تبين من رواية الأعمش أن المراد بالقرآن بعضه وهو سورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ}. وفي رواية ابن السكن عن الفربري قال أبو عبد الله: يعني قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} الآية، وفي هذا تعيين أحد الاحتمالين في قوله تعالى:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}؛ لأنه يحتمل أن يكون المراد بسبح نفس الحمد لما تضمنه الحمد من معنى التسبيح الذي هو التنزيه لاقتضاء الحمد نسبة الأفعال المحمود عليها إلى الله سبحانه وتعالى، فعلى هذا يكفي في امتثال الأمر الاقتصار على الحمد. ويحتمل أن يكون المراد فسبح متلبسًا بالحمد، فلا يمتثل حتى يجمعهما وهو الظاهر. وقال صاحب "الهدي" كأنه أخذه من قوله تعالى واستغفره؛ لأنه كان يجعل الاستغفار في خواتم الأُمور فيقول إذا سلّم من الصلاة:"استغفر الله" ثلاثًا، وإذا خرج من الخلاء قال:"غُفْرَانَكَ" وورد الأمر بالاستغفار عند انقضاء المناسك: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} الآية. ويؤخذ أيضًا من قوله تعالى أنه كان توابًا، فقد كان يقول عند انقضاء الوضوء:"اللهمَّ اجعلني من التّوابينَ". وأخرج النَّسائي عن ابن عباس أنّ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} آخر سورة نزلت من القرآن. وقد جاء عن البراء عند المصنف أن آخر سورة "براءة"، والجمع بينهما أن آخرية سورة "النصر" نزولها كاملة بخلاف "براءة"، فالمراد بنزولها نزول بعضها أو معظمها؛ لأن فيها آيات نزلت قبل سنة الوفاة النبوية. ويقال إن {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} نزلت يوم النحر وهو "بمِنى" في حجة الوداع وقيل عاش