للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الواقدي: مرض عبد الله بن أُبَيّ في ليال بقينَ من شوال، ومات في ذي القعدة سنة تسعٍ، مُنْصَرَفَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تَبوك، وكان مرضه عشرين ليلة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعوده فيه، فلما كان اليوم الذي توفي فيه، دخل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو يجود بنفسه، فقال: قد نهيتك عن حُبّ اليهود، فقال: قد أبغضهم أسعد ابن زُرَارة فما نفعه، ثم قال: يا رسول الله، ليس هذا بحين عِتاب، هو الموت، فإن مِتُّ فاحضرْ غَسلي، وأعطني قميصك الذي يلي جسدك، فكفني فيه، وصلَّ عليَّ واستغفر لي، ففعل ذلك به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قال الحاكم: كان على النبي -صلى الله عليه وسلم- قميصان، فقال عبد الله: واعطني قميصك الذي يلي جسدك، فأعطاه. وفي حديث الباب أنّ ابنه هو الذي أعطاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قميصَه.

وأما ابنه فهو عبد الله بن عبد الله بن أُبَيّ، كان اسمه الحُباب، بضم الحاء، وبه يكنى أبوه، فسمّاه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عبد الله، باسم أبيه، شهد عبد الله هذا بدرًا وأحدًا والمشاهد. وقال ابن حِبّان: لم يشهد بدرًا، وروى ابن مَنْدَه أنه استأذن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في قتل أبيه، فقال: لا يتحدث الناس أنه يقتل أباه، بل بُرَّ أباك، وأحسن صحبته. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يثني عليه.

وروى أبو نعيم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يتخذ أَنْفًا من ذهب حين أُصيب أنفه، استشهد عبد الله هذا يوم اليمامة، في خلافة أبي بكر، سنة اثنتي عشرة.

وهذا الحديث أخرجه البخاريّ أيضًا في اللباس، ومسلم في اللباس والتوبة، والتِّرمذيّ في التفسير، والنَّسَائيُّ فيه وفي الجنائز، وابن ماجه في التفسير.

[الحديث الثاني والثلاثون]

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا رضي الله عنه قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا دُفِنَ فَأَخْرَجَهُ، فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ.

وظاهر قوله: أتى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عبدَ الله بن أبيّ بعدما دفن، فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه، مخالفٌ لقوله في حديث "لما مات عبد الله بن أبيّ جاء ابنه فقال يا رسول الله أعطني قميصك" الخ، وقد جُمع بينهما بأنّ معنى قوله في حديث ابن عمر "فأعطاه" أي أنعم له بذلك، فأطلق على العِدَة اسم العطية مجازًا، لتحقق وقوعها. وكذا قوله في حديث جابر "بعدما دفن عبد الله بن أبيّ" أيْ: دُلّي في حفرته. وكان أهل عبد الله بن أبيّ خشوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- المشقة في حضوره، فبادروا إلى تجهيزه قبل وصوله عليه الصلاة والسلام، فلما وصل وجدهم قد دلُّوه في

<<  <  ج: ص:  >  >>