هكذا الترجمة لأبي ذَرٍّ ولغيره، أي الصدقة أفضل، وصدقة الشحيح الصحيح، لقوله تعالى:{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآية، فعلى الأول المرادُ فضل مَنْ كان كذلك على غيره، وهو واضح. وعلى الثاني كأنه تردد في إطلاق أفضلية مَنْ كان كذلك، فأورد الترجمة بصيغة الاستفهام .. قال الزين بن المنير ما ملخصه: مناسبة الآية للترجمة أن معنى الآية التحذير من التسويف بالإنفاق استبعادًا لحلول الأجل، واشتغالًا بطول الأمل، والترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية، وفوات الأمنية.
والمراد بالصحة في الحديث مَنْ لم يدخل في مرض مخوفٍ، فيتصدق عند انقطاع أمله من الحياة، كما أشار إليه في آخره بقوله:"ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم". ولما كانت مجاهدة النفس على إخراج المال مع قيام مانع الشح، وإلا على صحة القصد وقوة الرغبة في القربة، كان ذلك أفضل من غيره، وليس المراد أن نفس الشح هو السبب في هذه الأفضلية. وفي رواية غير أبي ذرٍّ تقديمُ آية المنافقين على آية البقرة، وفي رواية أبي ذرٍّ بالعكس.
وقوله في الآية:{فَأَصَّدَّقَ} بتشديد الصاد، أصله فأتَصَدق، أي: أُزكّي، أُبدلت التاء صادًا وأدغمت الصاد في الصاد، أو المعنى افعل ما يفعل المصَّدِّقون. وروى الضَّحَّاك عن ابن عباس أنه قال: مَنْ كان له مال تجب فيه الزكاة، ولم يزكِّهِ، أو مال يبلغه بيت ربه فلم يحج، سَأَلَ عند الموت الرجعةَ، فقال له رجل: اتقِ الله يا ابن عباس، إنما سألت الكفارُ الرجعةَ، قال ابن عباس: إني أقرأ عليك بهذا القرآن، وقوله:{يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ} أي: لا بدل فيه، وذكر لفظ البيع لما فيه من المعاوضة، وأخذ البدل. "ولا خلة" أي: ليس خليل ينفع في ذلك اليوم، والكافرون هم الظالمون؛ لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها، وعَوّلوا على شفاعة الأصنام. وروى ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار أنه قال: الحمد لله الذي قال: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. ولم يقل والظالمون هم الكافرون.