إقامة الصلاة في جماعة، أو إخراجها عن وقتها، أو وقت فضيلتها، فيفر حينئذ وقد يَئِسَ من أن يردهم عما أعلنوا به، ثم رجع لما طُبع عليه من الأذى والوسوسة.
وقال ابن الجوزيّ: على الأذان هيبة يشتد انزعاج الشيطان بسببها؛ لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء، ولا غفلة عند النطق به، بخلاف الصلاة، فإن النفس تحضر فيها، فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة، وقد ترجم عليه أبو عوانة في صحيحه الدليل على أن المؤذن في أذانه وإقامته منفى عنه الوسوسة والرياء، لتباعد الشيطان منه. وقيل: لأن الأذان إعلام بالصلاة التي هي أفضل الأعمال بألفاظ من أفضل الذكر، لا يزاد فيها ولا ينقص منها، بل تقع على وفق الأمر، فيفر من سماعها. وأما الصلاة، فلما يقع من كثير من الناس فيها من التفريط، فيتمكن الخبيث من المفرط، فلو قدر أن المصلي وفى بجميع ما أُمر به فيها، لم يقربه إذا كان وحده، وهو نادر. وكذا إذا انضم إليه من هو مثله، فإنه يكون أندر. قاله ابن أبي جمرة، نفعنا الله تعالى ببركته.
قال ابن بطّال: يشبه أن يكون الزجر عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذن المؤذن من هذا المعنى، لئلا يكون متشبهًا بالشيطان الذي يفرّ عند سماع الأذان. وقد فهم بعض السلف من الأذان في هذا الحديث الإتيان بصورة الأذان، وإن لم توجد فيه شرائط الأذان من وقوعه في الوقت وغير ذلك، ففي مسلم عن أبي صالح أنه قال:"إذا سمعت صوتًا فنادِ بالصلاةِ" واستدلّ بهذا الحديث. وروى مالك عن زيد بن أسلم نحوه، واقتصر المصنف في فضل الأذان على هذا الحديث هنا، وإن كانت فيه أحاديث كثيرة ذكر المصنف بعضها في مواضع أخرى، وسنذكر بعضها في الباب الذي يليه؛ لأن هذا الخبر تضمن فضلًا لا يُنال بغير الأذان، بخلاف غيره من الأخبار، فإن الثواب المذكور فيها يدرك بأنواع أخرى من العبادات.
[رجاله خمسة]
الأول: عبد الله بن يوسُف، والثاني: مالك، وقد مرّا في الثاني من بدء