"الموطأ" فتح الهمزة. وقال القرطبيّ: ليست رواية الفتح بشيء إلا مع رواية الضاد الساقطة، فيكون أن مع الفعل بتأويل المصدر، مفعول ضل بإسقاط حرف الجر، أي: يضل عن درايته.
وقوله:"كم صلَّى"، للمصنف في بدء الخلق عن أبي هريرة:"حتى لا يدري، أثلاثًا صلى أم أربعًا؟ " وقد استوفى الكلام عليه في باب التوجه نحو القبلة، حيث كان من كتاب الصلاة عند ذكر حديث عبد الله بن مسعود هناك. وقد اختلف العلماء في الحكمة في هروب الشيطان عند سماع الأذان والإقامة، دون سماع القرآن والذكر في الصلاة، فقيل: يهرب حتى لا يشهد للمؤذن يوم القيامة، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن إلا شهد له، كما يأتي قريبًا، ولعل البخاريّ أشار إلى ذلك بإيراده الحديث المذكور عقب هذا الحديث، ونقل عياض أن اللفظ عام، والمراد به خاص، وهم المؤمنون من الجن والإنس؛ لأنهم هم الذين تصح شهادتهم، وأما الكفار فلا تقبل لهم شهادة، ورده لما جاء من الآثار بخلافه.
وقيل: يهرب نفورًا عن سماع الأذان، ثم يرجع موسوسًا ليفسد على المصلي صلاته، فصار رجوعه من جنس فراره، والجامع بينهما الاستخفاف. وقيل: لأن الأذان دعاء إلى الصلاة المشتملة على السجود الذي أباه وعصى بسببه، واعترض بأنه يعود قبل السجود، فلو كان هربه لأجله لم يعد إلا بعد فراغه. وأجيب بأنه يهرب عند سماع الدعاء بذلك، ليغالط نفسه بأنه لم يخالف أمرًا، ثم يرجع ليفسد على المصلي سجوده الذي أباه. وقيل: إنّما يهرب لاتفاق الجميع على الإعلان بشهادة الحق، وإقامة الشريعة. واعترض بأن الاتفاق على ذلك حاصل قبل الأذان وبعده من جميع من يصلي. وأجيب بأن الإعلان أخص من الاتفاق، فإن الإعلان المختص بالأذان لا يشاركه فيه غيره من الجهر بالتكبير والتلاوة، ولهذا قال لعبد الله بن زيد:"ألقه على بلال، فإنه أندى صوتًا منك"، أي: أقصد في المد والإطالة والإسماع، ليعم الصوت ويطول أمد التأذين، فيكثر الجمع، ويفوت على الشيطان مقصوده من إلهاء الآدمي عن