الله -صلى الله عليه وسلم-، ذلك موافقة لقوله تعالى في سورة الأحقاف:{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} لأن الأحقاف مكية، وسورة الفتح مدنية بلا خلاف فيهما.
وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:"أنا أول من يدخل الجنة". وغير ذلك من الأخبار الصريحة في معناه، فيحتمل أن يحمل الإثبات في ذلك على العلم المجمل، والنفي على الإِحاطة من حيث التفصيل، وفي آخر هذا الحديث، في رواية الشهادات، في باب القرعة، وفي رواية التعبير قالت أم العلاء: ورأيت لعثمان في النوم عينًا تجري، فجئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذكرت ذلك له، فقال:"ذلك عمله يجري له" فقيل: يحتمل أنه كان لعثمان شيءٌ من عَمِلَه، بقي له ثوابه جاريًا كالصدقة.
وأنكره مُفَلطاي وقال: لم يكن لعثمان بن مظعون شيء من الأمور الثلاثة التي ذكرها مسلم من حديث أبي هُريرة، رفعه، "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" وهذا النفي مردود، فإنه كان له ولد صالح شهد بدرًا وما بعدها، وهو السائب، مات في خلافة أبي بكر، وهو أحد الثلاثة.
وقد كان عثمان من الأغنياء، فلا يبعد أن تكون له صدقة استمرت بعد موته، فقد أخرج ابن سعد من مرسل أبي بُردة بن أبي موسى قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فرأين هيأتها، فقلن: مالك ما في قريش أغنى من بعلك، فقالت: أما ليلُهُ فقائم .. الحديث.
ويحتمل أن يراد بعمل عثمان بن مظعون مرابطته في جهاد أعداء الله، فإنه ممن يجري له عمله، كما ثبت في السنن، وصححه الترمذيّ وابن حبان والحاكم عن فَضالة بن عبيد، رفعه "كل ميت يختمُ على عمله إلا المرابط في سبيل الله، فإنه يُنْمى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر"، وله شاهد عند مسلم والنسائي والبزار عن سلمان رفعه "رباطٌ يوم وليلة في سبيل الله خيرٌ من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأَمِن الفتّان".
وله شواهد أخرى، فليحمل حال عثمان بن مظعون على ذلك، ويزول الإشكال من أصله، والعين الجارية في النوم، قال المُهَلَّب: تحتمل وجوهًا، فإن كان ماؤها صافيًا عبرت بالعمل الصالح، وإلا فلا. وقال غيره: العين الجارية عمل جارٍ من صدقة أو معروف لحي أو ميت أحدثه أو أجراه. وقال آخرون: عين الماء نعمة وبركة، وخير وبلوغ أمنية إن كان صاحبها مستورًا، فإن كان غير عفيف أصابته مصيبة يبكي لها أهل داره.
[رجاله ستة]
مرت الأربعة الأول منهم بهذا النسق في الثالث من بدء الوحي، والباقي اثنان من السند،