وكِسْوته من المعروف، ولا يُكلَّف من العمل ما لا يُطيق" وهي يقتضي الرد في ذلك إلى العُرف، فمن زاد عليه كان متطوعًا، وأما ما حكاه ابن بَطّال عن مالك أنه سُئل عن حديث أبي ذر، فقال: كانوا يومئذٍ ليس لهم هذا القوت واستحسنه ففيه نظر لا يَخْفى، لأن ذلك لا يمنع حمل الأمر على عمومه في حق كل أحد بحَسَبِه. قاله في "الفتح".
قلت: في نظره نظر، لأن ما نظر فيه هو عين ما مر قريبًا من أن الأمر في ذلك موكول إلى العُرف، فكلام مالك جمعٌ بين الحديثين بيّن فيه أن حديث أبي ذر في زمن ليس لهم فيه هذا القوت المتفاوت المُحتاج فيه إلى حمل الأمر على العُرف.
قوله: "ولا تُكلِّفوهُم ما يغلبهم" أي: تعجِز قدرتهم عنه لعظمه أو لصعوبته، والنهي فيه للتحريم، والتكليف: تحميل النفس شيئًا فيه كِلفة، وقيل: هو الأمر بما يَشُقُّ.
وقوله: "فإن كلَّفتموهم فأعينُوهُم" أي: كلفتموهم ما يغلِبهم، وحُذف للعلم به، والمراد أن يُكلِّف العبد جنس ما يقدر عليه، فإن كان يستطيعه وحدَه، وإلا فلْيعِنه بغيره، ويُلحق بالعبد الأجير والخادم والضيف والدّابة.
وفي الحديث: النهي عن سب العبيد ومن في معناهم وتعييرهم بمن وَلَدهم، والحث على الإِحسان إليهم والرفق بهم، وعدم الترفع على المسلم والاحتقار له، وفيه المحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإطلاق الأخ على الرقيق، وأن التفاضل الحقيقي بين المسلمين إنما هو في التقوى فلا يُفيد الشريف النسب نسبه إذا لم يكن من أهل التقوى، ويستفيد الوضيع النسب بالتقوى، قال الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: ١٣].
[رجاله خمسة]
الأول: سليمان بن حرب وقد مرّ في الرابع عشر من كتاب الإِيمان.