وقد قال: لا يكتفى بشهادة النساء, لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكتف بشهادة المرأة التي أثنت على عثمان بن مظعون، بقولها: شهادتي عليك يا أبا السائب، لقد أكرمك الله، قال لها: وما يدريك؟ وقد يجاب عنه بأنه إما أنكر عليها القطع بأن الله أكرمه، وذلك مغيب عنها، بخلاف الشهادة على الميت بأفعاله الجميلة، التي كان متلبسًا بها في الدنيا.
وقال ابن العربي: فيه جواز الشهادة قبل الاستشهاد، وقبولها قبل الاستفصال، وفيه استعمال الثناء في الشر للمؤاخاة والمشاكلة، وحقيقته إنما هي في الخير.
[رجاله خمسة]
مرّ منهم عفان بن مسلم في الحادي عشر والمئة من الوضوء ومرَّ عبد الله بن بُريدة في الخامس والثلاثين من الحيض، ومرَّ محل عمر في الذي قبله بحديث، والباقي اثنان: الأول داود بن أبي الفُرات، عمرو بن الفُرات الكِنديّ، أبو عمرو المروزيّ، قدم البصرة، ذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال ابن مُعين وأبو داود: ثقة، وكذا قال ابن المبارك والعجليّ، وقال الدارقطنيّ: ليس به بأس، روى عن عبد الله بن بُريدة وإبراهيم بن مَيمون الصائغ وعَلياء بن أحمر وغيرهم. وروى عنه أيوب وسعيد بن أبي عَروبة، وهما أكبر منه، وعفان وغيرهم. مات سنة سبع وستين ومئة أو سنة ست وتسعين ومئة، ولهم شيخ آخر اسم داود بن أبي الفرات، اسم أبيه بكر، أبو الفرات اسم جده أشجعيٌّ، من أهل المدينة، أقدم من الكنديّ.
الثاني أبو الأسود الدؤلي البصريّ القاضي، واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جَنْدل بن يَعْمرُ بن حَنَش بن ثَعْلبة بن عَدِيّ بن الدُّنِل بن بكر بن عبد مناة بن كِنانة، وقيل اسمه عمرو بن ظالم، وقيل عثمان بن عمرو، وقيل عمرو بن عمران، مشهورٌ بكنيته، وهو من كبار التابعين، مخضرم أدرك الجاهلية والإِسلام، وثّقه ابن مُعين والعجليّ وابن سعد. وقال أبو حاتم: ولي قضاء البصرة. وقال أبو عمر: كان ذا دين وعقل ولسان وبيان وفهم وحزم. وقال ابن سعد: استخلفه ابن عباس على البصرة، وأقره عليٌّ.
وقال المرزبانيّ: هاجر أبو الأسود إلى البصرة في خلافة عمر، وولاه على البصرة خليفة لابن عباس، فكان عَلَويّ المذهب. وقال الجاحظ: كان أبو الأسود معدودًا في طبقات من الناس، مقدمًا في كل منها، كان يعد في التابعين، والشعراء، والفقهاء، والمحدثين، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والنحاة، والحاضري الجواب، والشيعة، والصُّلْع، والنجْر، والبخلاء، ومن لطيف قوله: ليس السائل المُلْحِف خيرًا من المانع الحابس، ومن عجائب أجوبته أنه قيل أبو الأسود أظرف الناس، لولا بخل فيه، فقال: لا خير في ظَرْف لا يمسك ما فيه، ومن محاسن الحكم في شعره قوله: