للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا ترسلنّ مقالةً مشهورةً ... لا نستطيعُ، إذا مضت، إدراكها

لا تبدينّ نميمة أُنْبِئتها ... وتَحفظنّ مِن الذي أنباكها

وقوله:

ما كل ذي لبٍّ بمؤتيك نصحه ... وما كل مؤتٍ نصحه بلبيبِ

ولكنْ إذا ما استجمعا عند واحدٍ ... فحق له من طاعة بنصيب

قال المبرد: أول من وضع العربية ونقط المصاحف أبو الأسود، وقد سئل عمن نهج له الطريق، فقال تلقيته من علي بن أبي طالب. وقيل: كان الذي حداه على ذلك أن ابنته قالت له: يا أبت ما أشدُّ الحر؟ برفع أشدُّ، وكان في شدة القيظ، فقال: ما نحن فيه. فقالت: إنما أردت أنه شديد، فقال: قولي ما أشد، نعمل باب التعجب.

وروى عمرو بن شَبّة أنه استأذن زيادًا، وقال له: العرب خالطت العجم، ففسدت ألسنتها، فلم يأذن لي حتى جاء رجل، فقال: أظلح الله الأمير، ات أبانا وترك بنون، فقال زياد: ادع أبا الأسود، فأذِن له حينئذ. وروى ابن أبي سعد أن سبب ذلك أنه مرَّ به فارسيٌّ فَلَحنَ، فوضع باب الفاعل والمفعول، فلما جاء عيسى بن عمر تتبع الأبواب، فهو أول من بلغ الغاية فيه.

وقد ذكر أبو عُبيدة أنه أدرك الإِسلام، وشهد بدرًا مع المسلمين، وهو وهم، ولعله مع المشركين، فقد ذكروا أن أباه قُتل كافرًا في بعض المشاهد التي قاتل فيها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المشركين. روى عن عمر وعليّ ومعاذ وابن عباس وغيرهم. وروى عنه ابنه أبو حرب وعبد الله بن بُريدة ويحيى بن يَعْمرُ وغيرهم. مات في طاعون الجارف سنة تسع وستين، وكان له يوم مات خمس وثمانون سنة.

وأخباره كثيرة، فمنها أن قومه بنو الدُّئِل قتلوا رجلًا من بني لَيْث، ثم اصطلحوا على أن يعطوهم الدِّيَة، فجاء قومه يطلبون منه الإعانة، وألح عليه غلام منهم ذو بيان، فقال: يا أبا الأسود، أنت شيخ العشيرة، وسيدهم، وما يمنعك من معاونتهم قلةُ ذاتِ يدٍ، ولا سؤدد، فلما أكثر أقبل عليه أبو الأسود، ثم قال له: قد أكثرت يا ابن أخي، فاسمع مني، إن الرجل والله لا يعطي ماله إلا لأحدى ثلاث خلال، إما رجل أعطى ماله رجاء مكافأة، أو رجل خاف على نفسه فوقاها بماله، أو رجل أراد وجه الله وما عنده في الآخرة، أو رجل أحمق خدع من ماله. والله ما أنتم أحد هذه الطبقات, ولا عمك الرجل العاجز فينخدع لهؤلاء، ولَما أفدتك إياه في عقلك خير لك من مال أبي الأسود، لو وصل إلى بني الدُّئِل، قوموا إذا شئتم، فقاموا يبادرون الباب.

ومنها أنه ذهب هو وأصحابه إلى الصيد، فجاءه أعرابيّ فقال له: السلام عليك، فقال له أبو الأسود: كلمة مَقولة، قال: قال له: أَدْخُل؟، قال له: وراءك أوسع لك، قال: إنَّ الرمضاء قد أحرقت رجليّ، قال له: بُلْ عليها أو أئت الجبلَ يفيء عليك. قال: هل عندك شيء تعطينيه؟ قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>