نسيهما، فصلاهما بعد العصر، ثم اثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها، أي: دام عليها. وعن عُروة عنها "ما ترك ركعتين بعد العصر عندي قط" كما أخرجه البخاريّ مع أحاديث عديدة عنها في "باب ما يصلى بعد العصر من الفوائت" في آخر المواقيت، ومرَّ هناك الكلام مستوفى على ذلك.
ومن ثم اختلَف نظر العلماء فقيل: تقضي الفوائت في أوقات الكراهية لهذا الحديث، وقيل: هو خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. وقيل: هو خاص بمن وقع له نظير ما وقع له، وقد تقدم البحث في هذا مبسوطًا في أواخر المواقيت في باب "الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس".
وفي الحديث من الفوائد سوى ما مضى جواز استماع المصلي إلى كلام غيره، وفهمه له، ولا يقدح ذلك في صلاته. وأن الأدب في ذلك أن يقوم المتكلم إلى جنبه لا خلفه. ولا أمامه، لئلا يشوش عليه بأن لا تمكنه الإشارة إليه إلا بمشقة. وجواز الإشارة في الصلاة، ويأتي بعد هذا في باب مفرد. وفيه البحث عن علة الحكم وعن دليله، والترغيب في علو الإسناد، والفحص عن الجمع بين المتعارضين، وأن الصحابي إذا عمل بخلاف ما رواه لا يكون كافيًا في الحكم بنسخ مرويه، وأن الحكم إذا ثبت لا يزيله إلَّا شيء مقطوع به، وأن الأصل اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- في أفعاله، وأن الجليل من الصحابة قد يخفى عليه ما اطلع عليه غيره، وأنه لا يُعْدَل إلى الفتوى بالرأي مع وجود النص. وان العالم لا نقص عليه إذا سئل عما لا يدري، فوكل الأمر إلى غيره.
وفيه قبول إخبار الآحاد والاعتماد عليه في الأحكام، ولو كان شخصًا واحدًا، رجلًا أو امرأة، لاكتفاء أم سلمة بإخبار الجارية، وإقراره عليه الصلاة والسلام لذلك، وفيه دلالة على فطنة أم سلمة، وحسن تأنيها بملاطفة سؤالها، واهتمامها بأمر الدين، وأنها لم تباشر السؤال لحال النسوة اللاتي عندها، فيؤخذ منه إكرام الضيف، واحترامه. وفيه زيارة النساء المرأة، ولو كان زوجها عندها، والتنفل في البيت ولو كان فيه من ليس منهم، وكراهة القرب من المصلي لغير ضرورة، وترك تفويت طلب العلم، وإن طرأ ما يشغل عنه، وجواز الاستنابة في ذلك، وأن الوكيل لا يشترط أن يكون مثل موكله في الفضل، وتعليم الوكيل التصرف إذا كان ممن يجهل ذلك.
وفيه الاستفهام بعد التحقق، لقوله:"وأراك تصليهما". والمبادرة إلى معرفة الحكم المشكل فرارًا من الوسوسة. وأن النسيان جائز على النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأنّ فائدة استفسار أم سلمة عن ذلك تجويزها، إما النسيان، وإما النسخ وإما التخصيص به، فظهر وقوع الثالث.
[رجاله أحد عشر]
قد مرّوا، إلا عبد الرحمن، مرَّ يحيى بن سليمان في الخامس والخمسين من العلم، وعبد الله بن وهب في الثالث عشر منه، وعمرو بن الحارث في السابع والستين من الوضوء، وبكير بن الأشَجّ في الخامس والسبعين منه، وكريب في الرابع منه، والمُسَوّر بن مَخْرَمة في الرابع والخمسين منه، وعمر في الأول من بدء الوحي، وعائشة في الثاني منه، وابن عباس في الخامس