المالكية على أنه يعتبر أن يكون الغُسل متصلًا بالذهاب؛ لئلا يفوت الغرض وهو رعاية الحاضرين من التأذي بالروائح حال الاجتماع، وهو غير مختص بمن تلزمه.
قالوا: ومَنْ اغتسل ثم اشتغل عن الرواح إلى أن بعدما بينهما عرفا فإنه يعيد الغُسل لتنزيل البعد منزلة الترك، وكذا إذا نام اختيارًا بخلاف من غلبه النوم أو أكل كثيرًا وهو ما يذهب نداوة الغسل بخلاف الأكل القليل ومقتضى النظر أنه إذا عرف أن الحكمة في الأمر بالغُسل يوم الجمعة التنظيف رعاية للحاضرين كما مرّ، فمن خشي أن يصيبه في أثناء النهار ما يزيل تنظيفه استحب له أن يؤخر لوقت ذهابه كما قالت المالكية، وبه صرّح في "الروضة" وغيرها والأثرم سمعت أحمد سئل عمن اغتسل ثم أحدث هل يكفيه الوضوء؟ فقال: نعم، ولم أسمع فيه أعلى من حديث ابن أبزى وهو ما أخرجه ابن أبي شيبة عن أبزى وله صحبة أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث فيتوضأ ولا يعيد الغُسل.
وفي "العيني" قال صاحب "الهداية": ثم هذا الغُسل أي: غُسل الجمعة للصلاة عند أبي يوسف أي لا يحصل له الثواب إلا إذا صلّى صلاة الجمعة بهذا الغُسل حتى لو اغتسل بعد الجمعة أو أول اليوم وانتقض ثم توضأ وصلّى لا يكون مدركًا لثواب الغُسل، وهو الصحيح. واحترز به عن قول الحسن بن زياد فإنه قال لليوم إظهارًا لفضيلته، وبقوله قال داود. وفي "المبسوط" وهو قول محمد. وفي "المحيط" وهو رواية عن أبي يوسف، فعلى هذا عن أبي يوسف روايتان، وقيل تظهر الفائدة أيضًا في هذا الخلاف فيمن اغتسل بعد الصلاة قبل الغروب إن كان مسافرًا أو عبدًا أو امرأة أو ممن لا تجب عليه الجمعة، وهذا بعيد؛ لأن المقصود منه إزالة الرائحة الكريهة كيلا يتأذى الحاضرون بها، وذلك لا يتأتى بعدها ولو اتفق يوم الجمعة ويوم العيد أو يوم عرفة وجامع، ثم اغتسل ينوب عن الكل وفي صلاة الجلابي لو اغتسل يوم الخميس أو ليلة الجمعة استن بالسنة لحصول المقصود، وهو قطع الرائحة الكريهة. واستدل من مفهوم الحديث على أن الغُسل لا يشرع لمن لم يحضر الجمعة، وقد تقدم التصريح بمقتضاه في حديث عثمان بن واقد عن نافع، وهذا هو الأصح عند الشافعية، وبه قال الجمهور خلافًا لأكثر الحنفية. قلت: قد مرّ قريبًا مذهب الحنفية عن العيني.
وقوله في الحديث "الجمعة" المراد به الصلاة أو المكان الذي تقام فيه، وذكر المجيء لكونه الغالب وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورًا للجامع أو مقيمًا فيه، واستدل به على أن الأمر لا يحمل على الوجوب إلا بقرينة لقوله: كان يأمرنا مع أن الجمهور حملوه على الندب كما يأتي في الحديث الثالث، وهذا بخلاف صيغة (أفعل) فإنها على الوجوب حتى تظهر قرينة على الندب.
[رجاله أربعة]
قد مرّوا، مرّ عبد الله بن يوسف ومالك في الثاني من بدء الوحي، ومرّ نافع في آخر حديث من العلم، ومرّ ابن عمر في أول كتاب الإيمان قبل ذكر حديث منه، وهذا الحديث أخرجه الستة إلا أبا داود وأخرجه غيرهم.